هابل وجيمس ويب – عيونٌ بشرية في أعماق الكون
عندما ولد تلسكوب الفضاء هابل بإطلاقه في الرابع والعشرين من أبريل عام 1990، من مركز كينيدي للفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية، صار للإنسان لأول مرة عين ذو ثقة في السماء تراقب كل ما هو غريب عنه في الأعلى وتجيب عن تساؤلاته وفضوله. وبالفعل خلال اثنين وثلاثين سنة قضاها التلسكوب صامداً في مدار الأرض، حظي العالم بأروع الصور التي التقطتها عدسته الذكية وقدم رؤية جديدة عن الكون والسماء.
سمي مرصد هابل نسبة إلى الفلكي الأمريكي إدوين هابل (1889_1953) والذي أبهر الأوساط العلمية في ذلك الوقت باكتشافه الشهير بأن الكون يتمدد. حيث اكتشف أن المجرات ليست ثابتة في الكون بل تتحرك وتتباعد عن بعضها بسرعة تتناسب مع ابتعادها، وسمي هذا القانون بقانون هابل.
إنجازات تلسكوب هابل: زوّد هابل الروبوت الساهر في ظلمة الفضاء العالم بأفضل وأروع الصور التي رأيناها للمرة الأولى بفضله. فكان هناك ما يزيد على الألف صورة لحاضنات النجوم وأقصد بها السدم مثل سديم النسر وأعمدة الخلق الكونية والمعروفة أيضاً بيد الإله، وسديم الجبار وسديم الوردة وسديم الفقاعة ورأس الحصان وعين القط وصور لمجرات وعناقيد مجرية كاملة ونجوم حديثة الولادة وصور للكواكب منها كوكبي زحل والمشتري، وبلوتو القابع هناك لوحده.
لكن مع كل هذا العطاء فإن عيب هابل هو أنه غير قادر على الخروج من مدار الأرض، فهو غير مصمم ليسرح في الفضاء بحرية ملتقطاً أي شيء يصادفه. وهو قادر على رؤية ورصد المجرات الكبيرة فقط وقد تستغرق صورة واحدة منه عدة أسابيع لتخرج جاهزة إلى العالم وذلك بعد تعديلها وإضافة الألوان إليها. يبلغ طول تلسكوب هابل 13 متراً وقطره 4 أمتار.
ولأن العلماء طموحون يتطلعون دوماً للأكثر، كان لزاماً عليهم تنصيب خليفة لهابل وإزاحته قليلاً ليرتاح: “لقد قدمت لنا كل ما بوسعك، شكراً لك، نقدر هذا جداً، والآن لننطلق إلى أعماق الكون.”
ومن هنا جاءت فكرة تصميم جديد وعظيم اسمه جيمس ويب، تلسكوب ذو قدرات أعلى سيطلق إلى الفضاء ولن يكون بإمكانه العودة مجدداً إلينا، عند التفكير في هذا الأمر تصيبنا قشعريرة. حقاً كم أن عقل الإنسان مدهش، كيف بإمكاننا أن نرسل شيئا إلى أماكن نجهلها؟ أماكن لطالما كتبنا عنها النظريات لنعرف أسرارها دون رؤيتها. أماكن من الكون السحيق ستعطينا أفكارا عن عملية النشأة الأولى للكون، ما الذي حدث؟ إن كان هابل هو عين الإنسان في الفضاء، فبدون أدنى شك جيمس ويب هو عقله وعيناه معاً.
أُطلق تلسكوب جيمس ويب في الخامس والعشرين من ديسمبر عام 2021 من مركز جويانا للفضاء وعوّل عليه المجتمع العلمي وبنوا عليه آمالاً كبيرة في:
- دراسة تكون وتطور المجرة.
- دراسة النظم الكوكبية والبحث عن حياة على الكواكب.
- البحث في الصفحات الأولى لحادثة الانفجار العظيم وتكّون النجوم والمجرات الأولى من خلال الضوء المنبعث منها.
إن مرآة تلسكوب جيمس ويب تفوق بحوالي ثلاث مرات مرآة تلسكوب هابل، كما باستطاعته رصد المجرات الكبيرة والصغيرة والناشئة، وقد تستغرق الصورة عدة ساعات فقط لتكون جاهزة بتلك الدقة والروعة. يبلغ طول جيمس ويب 22 متراً وقطره 12 متراً.
إنجازات جيمس ويب لحد الآن
- في الثاني عشر من يوليو لهذا العام كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أول صورة ملونة التقطها التلسكوب وهي تمثل عنقوداً مجرياً يبعد عنا حوالي 4.6 مليار سنة ضوئية. واعتبرت الصورة أوضح صورة حتى الآن وتحتوي آلاف المجرات التي بدورها محتواه في عنقود مجري.
(01) Photo by Nasa |
المدهش أن الكون يحتوي آلاف العناقيد المجرية!.
- الصورة الثانية هي لخماسية ستيفان وهي مجموعة من خمس مجرات يمكن رؤيتها بالعين المجردة في كوكبة الفرس الأعظم، اكتُشفت عام 1877 على يد العالم الفلكي الفرنسي إدوارد ستيفان.
|
- الصورة الثالثة هي لسديم كارينا الشي يبعد عنا حوالي 7600 سنة ضوئية، وتبدو الصورة وكأنها جبال ووديان كونية مرصعة بالنجوم ممزوجة بالألوان المنعشة.
|
- وقبل أيام وتحديداً في الرابع والعشرين من أغسطس الحالي نشرت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا صورة غاية في النقاء والجمال لعملاق المجموعة الشمسية وسلطانها الغازي المشتري ظهر فيها بحلّة جديدة براقة تخلب الألباب.
|
إننا على موعد مع صور جديدة واكتشافات أخرى من جيمس ويب، ستفتح لنا آفاقاً جديدة وتقدم لنا رؤىً أوسع عن حكاية هذا الكون الذي مهما اكتشفنا شيئاً عنه، نبقى نجهل الكثير والكثير..
لماذا نؤمن بالعلم؟ لأنه طريقنا نحو معرفة موقعنا في كون ربما يكون مجرد بالونه في ساحة بالونات. من؟