البوذية | تاريخها وعقائدها وعلاقة الصوفية بها

د. عبد الله مصطفى نومسوك

يعود اسم الهند حسب بعض الآراء إلى إله أندرا، ومنهم أعاد الاسم إلى نهر سندو، أما الإمارات الهندية وقت ظهور بوذا نذكر أكبرها:

( أنكا – كاسي – واتشي – جيتي – كورو – اساسكا – كانتارا- مجدا – كوسلا – بانجلا ) وكانت هذه الإمارات إما يقودها ( مهراجاً ) أي ملك الملوك، أو راجا أي الملك، إمارة مجدا في ولاية بيهار هي المدينة الأولى التي تأسست فيها الديانة البوذية، أما مدينة بنارس في إمارة كاسي فيمر بها نهر جنجا المقدس لدى الديانة الهندوسية، وقد ألقى بوذا أول خطبة له في المدينة، لذلك تعتبر من أهم المدن المقدسة لدى الهندوس والبوذيين معاً.

توفي بوذا في مدينة كوسينارا، المعروفة اليوم باسم مدينة كاسي، حيث انقسم المجتمع الهندي قبل بوذا وخاصة عند الهندوس إلى ( البراهمة ) أي طبقة الكهنة و( الكشتريا ) وهم طبقة رجال الدولة والمحاربون و( الويشيا) وهم طبقة المزارعين والتجار و( الشودرا ) أي طبقة العبيد، وهذه الطبقات كلها خُلقت من إله الهندوسي براهمة، فطبقة البراهمة خُلقت من وجه وطبقة الكشتريا خُلقت من ذراعيه وطبقة الويشيا خُلقت من فخذيه وطبقة شودرا من قدميه، ولا يجوز أنْ يتزوجوا من بعضهم أو يغيروا طبقاتهم ولا أنْ يجلسوا على مائدة طعام واحدة.

وُلّد بوذا في إمارة ساكا، في عاصمتها مدينة كابيلافاستو من قبيلة جوتاما الآرية، والده كان من طبقة الكشتريا المحاربين وهو حاكم هذه الإمارة واسمه سودودانا، وأم بوذا هي مايا بنت ملك مدينة ديفاداها، وأنجبا ولدهم سدهارتا المشهور باسم بوذا عام 623 قبل الميلاد، وتقول الأساطير أنّه وُلِد في الحديقة ولدٌ وأمه واقفةٌ ممسكة بغصن شجرة وأنّه مشي سبع خطوات أول ولادته وأنْ أمه رأت حلماً أنْ إله برهما تحوّل لفيلٍ أبيضٍ صغيرٍ ودخل أحشائها فولدت بوذا.

في عمر ست سنوات أرسل بوذا إلى الحكيم ( جورو أوسوماترا ) وتعلّم منه فنون الحرب والقتال والفروسية والفلسفة، قام والد بوذا بتزويجه في عمر 16 سنة، بسبب الحزن الذي أصابه نتيجةً لتأمله هموم الناس، فزوجه من مدينة أخواله بفتاة جميلة هي ( ياسودهرا ) ولكنّه لم يكف عن تأمل آلام الناس والنباتات والحيوانات، أنجبت له زوجته طفل سماه ( راهولا ) أي القيد، ولكنّه قرر التقشف وهجرة والده وزوجته وابنه الرضيع، وبدأ بالتقشف لمدة 29 سنة وخرج معه في رحلته رفيقه ( شانا ) ولم يخبر أحد بخروجه ولم يودع أحد.

وبعد يوم من سيرهم ترجل من حصانه وقص شعره المتموج ونزع لباس الملوك عنه ولبس قماشاً عادياً أصفر وهو لباس الزاهدين وعطاهم لصديقه وأعطاه حصانه وطلب أنْ يرجع بهم إلى القصر ويتركه يكمل مسيره وحده.

وسار كثيراً وتعلم من الكثير من الرهبان إلى أنْ وصل لغابة جميلة اسمها ( اوروفيلا )، فقرر أنْ يبدأ بتقشف حاد. وفي هذه المراحل كان يدعى ( جوتامة ) أي كاهن، حيث يقلل طعامهُ تدريجياً إلى أنْ وصل لأكل حبة أرز واحدة في اليوم والوقوف تحت الشمس طيلة النهار والنوم بين جثث الموتى والاستلقاء فوق الحصة والشوك ونزع ملابسه وتستر فقط بقطعة قماش تخفي عورته.

وصاحبه في ذلك خمس نساك وجدوا فيه الزهد فقروا أنْ يجعلوه معلمهم واستمر ذلك ستة سنوات، فلم يصل لحقيقة الكون ولم يصل لإجابته، فقرر الرجوع لأكله وشربه، عند ذلك تركه النساك الخمسة لأنه كان تقاليد ذلك الوقت أن الناسك عليه بالتقشف عن الطعام.

وفي تلك الغابة وبعد أنْ تركه أصحابه أتاه روح التنوير وبدأ بالإجابة لأجوبته وهناك اتته روح شر مارا ( الشيطان ) ولكن بوذا بقي في تأمله ولم يلتفت له ابداً.

وعندها أصبح بمرتبة بوذا وبدأ بنشر تعاليمه وخطب بين الناس إلى أنْ وصل لعمر 80 سنة ،إلى أنْ توفي في مدينة ( كوسينارا ) عام 543 قبل الميلاد، وتم حرق جثته حسب التعاليم الهندوسية، ووزع رماد جسده على ثماني حصص وزعت على رهبانه الكبار، وضعت كل واحدة في معبد مختلف في الهند.

لدى البوذيين أربع حقائق سامية أعلنها بوذا في خطبته الأولى وهي :

  1. الألم موجود، فالحياة سلسلة من الألم تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت.
  2. لكل شيءٍ سبب.
  3. قدرة الإنسان على التخلص من الألم وذلك من خلال التحرر من جميع الرغبات الدنيوية والشهوات.
  4. طرق التخلص من الألم وهي عن طريق: سلامة الرأي؛ سلامة النية؛ سلامة القول؛ سلامة الفعل؛ سلامة العيش؛ سلامة الفكر؛ سلامة التأمل؛ سلامة الجهد.
وأرجع بوذا الرذائل لثلاث أمور وهي: الاستسلام للملذات؛ سوء النية؛ عدم إدراك الأمور على وجهٍ صحيح.

والقيود التي تقيد الإنسان حسب بوذا هي عشرة وهي: الوهم الخادع في وجود الذات؛ الشّك في الثالوث البوذي ( بوذا وتعاليمه والرهبان )؛ الاعتقاد بالطقوس السحرية؛ الشهرة؛ الكراهية؛ الرغبة في البقاء المادي؛ الرغبة في البقاء الغير المادي؛ الاعتداد بالبرالذاتي؛ القلق؛ الجهل .

ويحطّم الإنسان هذه القيود بمراحل وكل مرحلة تكسر ثلاث قيود للوصول لكسر القيد الأخير وهو الجهل وهذه مرحلة القديسين، تبنى فلسفة بوذيا على إنكار الذات، فهي شيء غير موجود وإنّما الإنسان .

يجب على البوذي التقيد بثمانية أمور حتى يتمكن من الانتصار على نفسه وشهواته:

1. الاتجاه الصحيح المستقيم الخالي من السلطان للقدم على أي عمل الشهوة واللذّة وذلك عندا.
2. التفكير الصحيح المستقيم الذي لا يتأثر بالهواء.
3. الإشراق الصحيح المستقيم.
4. الاعتقاد المستقيم الذي يصحبه الارتياح والاطمئنان إلى ما يقوم به.
5. مطابقة اللسان لما في القلب.
6. مطابقة السلوك للقلب واللسان.
7. الحياة الصحيحة التي يكون قوامها هجر اللذات.
8. الجهد الصحيح المتجه نحو استقامة الحياة على العلم والحق وترك الملذات.

من وصايا بوذا:

1. لا تقضي على حياة حي. 2. لا تسرق ولا تغتصب. 3. لا تكذب. 4. لا تتناول مسكراً. 5. لا تزني. 6. لا تأكل طعاماً نضج في غير أوانه. 7. لا ترقص ولا تحضر مرقصاً ولا حفل غناء. 8. لا تتخذ طيباً. 9. لا تقتن فراشاً وثيراً. 10. لا تأخذ ذهباً ولا فضة.

ينقسم البوذيين إلى قسمين:

أ‌- البوذيون المتدينون: وهؤلاء يأخذون بكل تعاليم بوذا وتوصياته.
ب‌- البوذيون المدنيون: هؤلاء يقتصرون على بعض التعاليم والوصايا فقط.
الناس في نظر بوذا سواسية لا فضل لأحد على أحد إلا بالمعرفة والسيطرة على الشهوات.
للبوذية مذهبان كبيران:
1. المذهب الشمالي: وقد غالى أهله في بوذا حتى ألَّهوه.
2. المذهب الجنوبي: وهؤلاء معتقداتهم أقل غلوّاً في بوذا .
تنقسم كتبهم إلى ثلاثة أقسامٍ:
1. مجموعة قوانين البوذية ومسالكها
2. مجموعة الخطب التي ألقاها بوذا
3. الكتاب الذي يحوي أصول المذهب والفكرة التي نبع منها
المذهبان الرئيسيان الآن:
1. مذهب ثيرافادا: ( طريق الأقدمين ) الذي يهيمن على البلاد البوذية في الجنوب الشرقي من آسيا عدا ( جمهورية الفيتنام )
2. مذهب ماهايانا: (المجتمع العظيم) الذي يهيمن على البلاد البوذية في شمال وشرق آسيا.
تختلف الفرقتان حول عدد من المعتقدات، مثل اللغة المتعبد بها، والمتيقظين المعترف بهم إلى جانب جوتاما، وطبيعة دور ( البوديساتفا ) والأخير مصطلح يعني المتيقظ المستقبلي، وهو شخص يؤمن مذهب ماهايانا بأنّه قد بلغ اليقظة / الاستنارة، إلّا أنّه فضل عدم تحقيق البارينيرفانا، مما يعني مواصلة رحلة التناسخ، وذلك من أجل مساعدة الآخرين على بلوغها.
أشهر ( البوديساتفا ) اليوم هو: الدالاي لاما، حكيم بوذية التبت، المتفرعة عن الماهايانا، فـ ( الدالاي لاما ) الذي نعرفه اليوم باسم ( تينزن جياتسو )، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 1989، هو التجسد الرابع عشر ( لبوديساتفا ) بلغ التنور في القرن الرابع عشر، وعندما يتوفى الدالاي لاما يعود ( البوديساتفا ) في صورة إنسان جديد، طفل يجتاز عدداً من الاختبارات، ويرث كرسي الدالاي لاما السابق، ليتلقى بعدها الرعاية والتنشئة اللازمة لتولي مهام القيادة والإرشاد وإعانة الأرواح الهائمة على كسر دورة التناسخ.
يقول بوذا : “عندئذ بدأتُ أسأل نفسي؟ ماذا لو أنّني وأنا خاضعٌ لأحكام الميلاد وقد رأيت بؤّسَ الحياة بعيني، ماذا لو كرَّستُ حياتي للبحثِ عن سعادة مَن لَم يلدوا بعدُ، والجد في وقف عجلة الحياة كلِّها، والسعي وراء راحة النَّفس في عالَم الخلود.”
يقول بوذا: “سمعت صوتاً من داخلي يقول، بكل جلاء وقوة، نعم في الكون حق أيها الناسك، هناك حق لا ريب فيه جاهد نفسك اليوم حتى تناله، فجلست تحت تلك الشجرة في تلك الليلة من شهر الأزهار وقلت لعقلي وجسدي، اسمعا لا تبرحا هذا المكان حتى أجد ذلك الحق لينشف الجلد وليقف الدم عن الجريان، لن أقوم من مقامي حتى أعرف الحق الذي أنشده فينجيني.
إنّ مسألة الألوهية تعد من أغمض الأمور في البوذية فلا نجدهم يذكرون إلهً لا واحدً ولا يعددون الآلهة.
البوذية تعترف بأنّ هناك قوة في الكون وهي التي خلقت الحياة ولكنّها لا تعطي أهمية لهذه القوة، بل تعمل على بناء الإنسان بشكل مجرد من فكرة تدخل الإله.
موقف البوذيين من الاعتراف بالإله، كان ردّ فعل لسوء تصرف طبقة من البراهمة واستبدادهم، فخاف البوذيون أن تتكون عندهم طبقة لاهوتية، كالبراهمة إنْ قالوا بالإله فأنكروه وأهملوا الكلام عنه، لهذا الغرض نتج عن هذا أن البوذية اتجهت بعد وفاة بوذا إلى تأْليهه.
يرى بوذا أنّ خلاص الإنسان متوقف على الإنسان نفسه، لا على الإله ويرى أنّ الإنسان صانع مصيره.
مبدأ الكارما :
أي فرد من البشر مكون من مجموعة من العناصر البدنية والعقلية وهي خمس مجموعات هي
1. مجموعة الصفات البدنية .
2. مجموعة الإحساسات .
3. مجموعة الإدراكات الحسية.
4. ثالوث الفكر والقول والعمل.
5. الحالات الشعورية الأخرى.
وعند الموت تنفصل هذه المجموعات عن بعضها البعض فيفنى الفرد ولا يصيح له وجود باعتباره فرداً مستقلاً له مميزاته الخاصة ومع أنّه بهذا يفنى إلا أن مبدأ ( الكارما ) الخاص به يبقى وهذا المبدأ يكون سبباً في وجود الإنسان في بيئة مناسبة مخلوقاً جديداً لا يتذكر المخلوق السابق ومع أنّ المخلوق الجديد يعد في نظر بوذا من الناحية الخلقية امتداداً لوجود المخلوق السابق وترتيب الوجود اللاحق على الوجود السابق هو الذي يسمى بالتناسخ.
التناسخ: إنّ مبدأ التناسخ عند بوذا نتيجة حتمية لمبدأ ( الكارما ) إذ أنّ سبب التناسخ أن الروح خرجت من الجسد وما تزال لها أهواء وشهوات مرتبطة بالعالم المادي لم تتحقق بعد، وثانيها: أنّها خرجت من الجسد وعليها ديون كثيرة في علاقتها بالآخرين لا بد من أدائها، فلا مناص من أنْ تستوفي شهواتها في الحيوانات الأخرى حتى إذا اكتملت الميول ولم يبق للإنسان شهوة، وأُزيلت الديون فلم يرتكب الإنسان إثما، نجت روحه وتخلصت من تكرار التناسخ.
بعد موت بوذا كتب رهبانه حكمه وتعاليمه في ثلاثة كتب هي:
1. سلة العقائد.
2. سلة الشريعة.
3. سلة الحكايات
وهذه السللات الثلاث يقال لها القانون البالي نسبة إلى اللغة البالية التي كتبت بها.