أقدم معبد على وجه الأرض
آثار كوردستان تكشف الحلقات المفقودة في التاريخ، إني أؤمن تماماً بأن كل الألغاز التاريخية سنكتشف حلها من خلال آثار كوردستان كونها مهد لتطور الحضارات.
قبل كتابة التاريخ والتعدين وقبل استقرار البشر واختراع الأبجدية المكتوبة والعجلة، وقبل بناء أهرامات مصر وأثر ستونهنج البريطاني الصخري بأكثر من 7 آلاف سنة، قامت مجموعة مجهولة من البشر ببناء معبد من الأحجار المتراصة في شمال الجزيرة الفراتية وذروة الهلال الخصيب، وبقي هذا الهيكل مطموراً في تلة “غوبكلي تبه” على أطراف مدينة شانلي أورفا جنوب شرق تركيا المعاصرة منذ حوالي 12 ألف عام أو 11 ألف عام خلت.
حيث أننا نجد أقدم معبدٍ على وجهِ الأرضِ يتربع في أطراف مدينة “رُها” واسمهُ معبد “كوبيكلي تبه” ويعود تاريخهُ إلى حوالي 11000 عام قبل الميلاد وعليه نقوشٌ لحيواناتٍ مقدسةٍ ورموزٍ أخرى.
يقع هذا المعبدُ على بُعد15كم جنوب شرق ( رها / أورفا ) حيثُ تمَّ اكتشافُ الموقعِ في السِّتينات من القرن العشرين وفي عام 1994بدء عالم الآثار الألماني DAI بالتعاون مع متحف شانلي أورفا التنقيب فيه.
وقد وجدوا به أربعَ منشآتٍ معماريةٍ بالإضافةِ إلى 16منشآةٍ مماثلةٍ لم يتمَّ التنقيبُ عنها بعد. وتتألف المنشاة من نصبٍ حجريٍ ضخم على شكل صليب دون رأس أو ما يشبه حرفT موضوعةٍ بشكلٍ دائريٍ أو إهليلجي تصل بينها جدرانٌ من صخورٍ ضخمةٍ مرصوفةٍ، يتوسطهُما نُصبانِ مركزيان أكبر حجماً، وتلك الحجارة مقطوعة بشكلٍ رائعٍ ويتراوح أقطار كلُّ منشاةٍ من10-30متر.
وكشفَ الَّتنقيبُ عن مجموعةٍ من الحجارٍ ذات الزوايا القائمةِ والمبلطة بالصخور وكذلك نقش على الحجارة الكبيرة أشكالٌ حيوانيةٌ ورموز منها: الخنزير، الثعلب، الأفعى، الأسد، الثور، الغزال، الطيور، والزواحف.
إلى الآن لم يتمِّ التنقيبُ سوى عن 1،5% من الموقع ويصلُ وزنُ الحجارةِ من10-20طن وهناك حجر يبلغ وزنه 50طن وقد قدمت من المناطق المجاورة من الموقع من500-100مترويعتقد العلماء أنه موقعٌ دينيٌ وقد دُفنَ الموقعُ تحتَ التُّرابِ عمداً في القرن 8ق.م وقد بقي هذا لغزاً كبيراً ومُحيِّراً بالنسبة إلى العلماء.
ولعلَّ أغربُ حجارةِ المعبدِ هو حجرُ النِّسر حيثُ اكتشفَ العلماءُ أنَّ هذهِ المخلوقاتُ هي رموزٌ فلكيةٌ في واقعِ الأمرِ وترمزُ للمجموعاتِ النجميةِ، وفرضِيَّة الإعتقادِ بنظرية المُذنَّبِ الذي اصطدمَ بالأرضِ قبلَ حوالي ١١٠٠٠ألف سنة مضت قبل الميلاد في حادثةٍ مدمرةٍ قضت على حيواناتِ الماموثِ الصوفيِّ وأطلقتْ شرارةَ بدءِ الحضاراتِ الإنسانيَّة.
لقد استخدم المُحلِّلون برنامجاً حاسوبياً لتحديد مواضع المجموعات النجمية فوق منطقة ميزوپوتاميا منذ آلاف السنوات وعن طريق هذا التحليل استطاعوا تحديد توقيت اصطدام المذنب بالأرض منذ 10950 سنة قبل الميلاد، وهو نفس الوقت الذي بدأت فيه حقبة “درياس الأصغر” وفقاً لبيان العيِّنات الجليديَّة المأخوذة من جزيرة غرين لاند.
وتعدُّ حقبة “درياس الأصغر” فترةً زمنيةً فاصلةً في تاريخِ الإنسانية؛ إذ تتزامن مع بدايةِ عصرِ الزِّراعةِ وإقامةِ أولى حضاراتِ العصرِ النيوليثي أو العصر الحجري الحديث في بلاد ما بين النهرين.
ويقول الباحثون من جامعة أدنبرة إنَّ النُّقوش ظلت مهمة بالنسبة للأشخاص في منطقة كوبيكلي تبه لآلاف السنين، ما يرجح بأن الحادث والمناخ البارد الذي أعقبه كان له تأثير كبير للغاية عليهم.
مما سبق يتبيَّن أنَّ آثار جغرافيا كوردستان لكونها مهدُ أولى الحضارات الإنسانيَّة تَكشف يوماً بعد يوم عن وجودِ حلقاتٍ مفقودةٍ وألغازٍ تاريخيَّةٍ يتمُّ فكُّ طلاسمها مع كل دراسة أو اكتشافٍ بين حنايا سهولهِ وخبايا جباله.
مصدر البحث
- دراسة أكاديمية من جامعة أدنبرة حيث قاد البحث مارتن سويتمان من كلية الهندسة بالجامعة نفسها