أكراد دمشق – المؤسِّسون المغيَّبون لدولة سوريا الحديثة
فالقارئ والكاتب والمؤرخ المنصف ليسوا بإمكانهم أن يقرؤوا أمجاد هذه الدولة وانتصاراتها ونضالها في نيل استقلالها عن المستعمر الفرنسي إلا وكان لِزاماً عليه أن يذكر بصمة الكورد الواضحة في بطولات هذه الدولة بدءاً من وزير الحربية وبطل معركة ميسلون يوسف العظمة ومروراً بقائد ثورة الشمال ابراهيم هنانو وليس انتهاءً بسليمان الحلبي قاتل الجنرال كليبر في مصر والمفكر الثائر على الإستبداد والظلم عبدالرحمن الكواكبي و المجاهدون النبلاء : حسن الخراط، محو إيبو شاشو، أحمد بارافي، أحمد الملا، إبراهيم الشيخاني، علي آغا بن زلفو، علي بوظو، ،خليل بكر ظاظا، قدري جميل باشا، أديب الشيشكلي، خالد البرازي، نجيب آغا البرازي، خير الدين الزركلي، و القائمة تطول.. الخ من أبطال الثورة السورية الكبرى 1925م، ومن صانعي إستقلال سورية الحديثة.
وإذا كانت المصادر الفرنسية تذكر بأن عدد الذين قُتِلوا من (الثورجيين السوريين) ضدها إبان حقبة استعمارها لسوريا لا يتعدَّى الثلاثمائة إنسان فقط فلك أيها القارئ العزيز أن تتخيَّل عدد الكورد الذين ضحوا بأرواحهم الزكية في وجود تلك القائمة من الأسماء اللامعة والجنود المجهولين ممن كانوا رفقاء أو أصدقاء أو أقرباء تأثروا بهذه الشخصيات و قارعوا الإستعمار الفرنسي وساهموا في تشكيل دولة سوريا الحديثة.
فالكورد إذاً من المكونات الأساسية للنسيج المجتمعي السوري وصُنَّاع تأريخه على مرِّ الزمان والعصور إلا أننا في هذه العُجالة نود تسليط الضوء على أكراد دمشق فحسب دون بقية الأكراد السوريون الذين لهم جذور تأريخية على أرضهم تصل إلى الحضارات الكوردية (السومرية، الميدية، الميتانية، الحيثية والهورية) التي تعاقبت على أرضه التأريخية وتمتد إلى قرابة الخمسة آلاف سنة قبل الميلاد.
لقد تمكن الكورد في سوريا من تبوء أرفع المناصب العليا في الدولة السورية الحديثة، حيث وصل أربع شخصيات كوردية إلى منصب رئاسة الجمهورية هم (محمد علي العابد، وحسني الزعيم، وفوزي السلو، وأديب الشيشكلي).
لقد شارك الأكراد منذ بداية تأسيس الدولة السورية الحديثة في التصدي للاستعمار الفرنسي الجاثم على أرضها، ووقفوا إلى جوار الشعب السوري بكافة أطيافه من عرب ودروز ومسيحيين… في ثوراته العديدة ضد هذا الاستعمار الغاشم، وقدموا التضحيات الغالية بالنفس والنفيس في سبيله حتى حصلت سوريا على استقلالها المنشود.
أمَّا الحديث عن دمشق فتعني الحديث عن أقدم عاصمة مأهولة بالسكان في تاريخ البشرية، فلقد كانت الشام قبلة لشعوب هاجرت إليها هرباً من غوائل التاريخ، كما كانت أيضًا مهد الديانات السماوية الكبرى، منها انطلقت رسالاتها، وفيها حدثت كبرى صراعاتها الداخلية والبينية.
والمجتمع الدمشقي يعكس تنوّع الفسيفساء السورية، كغيره من مجتمعات شرق المتوسط، حيث تتمتع سوريا بخليط عجيب من المكوِّنات الدينية والقومية يجعل منه قوس قزح زاهٍ.
وثمة جدل كبير بين المؤرخين والمفكرين حول أصول العروبة السورية ففي حين يرى المؤمنون بالإيديولوجيا القومية العربية أن سوريا عربية منذ بدايات استقرار السكان فيها (أي من الألف الثامنة قبل الميلاد)، يرى آخرون أن أصول سوريا ليست عربية وإنما استعربت مع تلك الفتوحات واستمرت كذلك حتى يومنا هذا.
ولكن الحقائق التاريخية تثبت وبشكلٍ واضح أن هناك قوميات متأصلة الوجود على التراب السوري كحال القوميات الكوردية والآشورية والسريانية.
فالوجود الكوردي إذاً ليس وجوداً طارئاً على الجغرافيا السورية، لكن السلطات المتعاقبة عملت على طمس الهوية القومية للكورد واتباع سياسات قذرة لصهرهم قومياً وثقافياً، على الرغم من ذلك بقيت الهوية الكوردية راسخةً حتى في قلب العاصمة دمشق.
بدأ الكورد بالإستقرار في دمشق قبل وصول صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر بعدة سنوات. حيث تمركزوا في البداية في دمشق في حي اسمه الحالي هو سوق ساروجة الذي أسسوه بأنفسهم.
بعدها هاجروا من ساروجة إلى الصالحية عند سفح جبل قاسيون. في البداية بنوا حي الزينبية وبعدها انتشروا في مناطق مجاورة من حي شمدين وجسر النحاس.
استمر تدفق الكورد من الشمال إلى دمشق منذ أيام صلاح الدين الأيوبي؛ بعد جيل أو اثنين، بدأت معظم العوائل الكوردية بالتحدث باللغة العربية، لكن مع استمرار تدفق القادمين الجدد حافظوا على لغتهم الأم. على سبيل المثال فإن اللغة الكوردية في حي جسر النحاس هي أكثر شيوعاً من اللغة العربية، بينما في منطقة شمدين، ماتزال الكوردية مسموعة. أما في حي الزينبية، فقد أصبح من النادر التحدث باللغة الكوردية. يتم استيعاب الكورد بشكل تدريجي ويساعد على ذلك ضعف ثقافتهم، فليس لديهم فرصة للتعلم بغير العربية.
تاريخ التواجد الكوردي في دمشق
من الصعوبة بمكان ضبط الفترة الزمنية لهجرة الأكراد إلى بلاد الشام، وظهور ما يعرف في المصادر التاريخية بـ ‹أكراد بلاد الشام› وقد ربط معظم الباحثين المعاصرين تاريخ الكورد في بلاد الشام بالحقبة الأيوبية التي شهدت ذروة الهجرات الكوردية إلى بلاد الشام، لكن المصادر التاريخية تشير إلى وجود بعض التجمعات الكوردية في بلاد الشام تسبق الحقبة الأيوبية بعقود من الزمن، فقد أشار البلداني أبو عبيد البكري (ولد قرابة سنة 1010م) في كتابه ‹المسالك والممالك› إلى وجود الكورد في (أرض الدينور وهمدان وبلاد أذربيجان وبلاد الشام وبأرض الموصل إلى جبل الجودي)، ولا يعرف على وجه الدقة أي رقعة من أرض الشام يقصدها المؤلف، خاصة أن المفاهيم الجغرافية كانت عرضة للتغيير وتتأرجح بين مد وجزر وتتبدل بتبدل الأزمنة.
لقد شهدت كوردستان أوسع هجرة كوردية باتجاه مصر وبلاد الشام زمن الأيوبيين، وتلتها هجرات أخرى بعد سقوط عاصمة الخلافة العباسية، إثر اجتياح المغول للعالم الإسلامي. إذ يذكر الموسوعي فضل الله العمري (1301ـ1347م) في كتابه ‹مسالك الأبصار في ممالك الأمصار› أن قبيلتي (اللوسة والبابيرية) الأكثر رجالاً ومالاً في نواحي شهرزور رحلتا إلى مصر والشام بعد خراب البلاد على يد المغول، بل وصلت بعض القبائل الكوردية حتى إلى المغرب في شمالي أفريقية، وتناثرت القبائل الكوردية في المدن والبلدات الشامية: دمشق، حلب، الكرك، جبيل، حمص، حماه، فامية (أفامية).. إلخ، محتفظة بذاكرتها الكوردية إلى أجل مسمَّى، ومن ثم انصهرت هذه القبائل في المجتمع الشامي، تاركةً أسماءها على بعض المنشآت المدنية أو العسكرية، لتحول دون موت الذاكرة الكوردية في أرض الشام، ولتفسح الطريق أمام موجات جديدة من الهجرات.
تباينت دوافع هجرات الكورد إلى بلاد الشام وغيرها من الأماكن على مرِّ القرون، ففي القرن التاسع عشر نزحت بعض الأسر والقبائل الكوردية باتجاه المناطق الداخلية لبلاد الشام كالقبيلة البرازية، التي تعد من كبريات القبائل في عموم كوردستان ، إذ ورد ذكرها في كتاب “شرفنامه” كما ذكرها المؤرخ علي أكبر كردستاني (ت 1899م) في كتابه ‹الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافية كردستان› كما سكنت أسرة آل برمدا في منطقة حارم (وهي أول شهيرة في قصبة حارم) وهم (في الأصل أسرة كوردية من عشيرة البرازية، كانت متوطنة في نواحي سروج من أعمال مدينة الرها ”أورفه”).وفي نحو سنة 1824م، اضطرت بضغط من الحكومة العثمانية إلى الرحيل فتوجهت إلى جهات الجومة، ثم استقرت بشكل نهائي في منطقة حارم أما “آل برازي” في مدينة حماة فيذكر الباحث أحمد وصفي زكريا، أنهم (جاؤوا منذ قرن ونصف من أنحاء الرها) وقد استعربت معظم القبائل والأسر الكوردية التي نزحت من موطنها الأصلي، واستوطنت المناطق الداخلية في بلاد الشام، بما فيها بعض الأكراد اليزيدية الذين (جلوا عن بلادهم في أنحاء سروج منذ قرن أو أقل) .
وقد قام “آل برازي” في مدينة حماة بدور سياسي بارز بعيد فترة الاستقلال في سوريا، ووصل محسن برازي إلى منصب رئيس الوزراء في عهد الرئيس حسني الزعيم، وقد وصفت بعض الصحف العربية خارج سوريا آنذاك حكومة محسن برازي بـ ‹الجمهورية الكوردية العسكرية›.
من مجمل ما سبق يتبين أن الكورد وطئوا أرض الشام منذ ألف عام أو أكثر، استناداً إلى المصادر العربية نفسها، واندمجوا تدريجياً في محيطهم العربي.
أهم الأحياء التي يقطنها الأكراد في دمشق
يقطن الأكراد في كل الأراضي السورية لكن كثافتهم تزداد في بعض المناطق التي تواجدوا تاريخيًا فيها كالمنطقتين الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا وخاصة في بعض المدن مثل القامشلي (قامشلو) والمالكية والدرباسية وعامودا ورأس العين والحسكة وغيرها. أمّا وجودهم في دمشق فيتركز بشكلً كبير في حيِّي “ركن الدين” و “وادي المشاريع – زورآفا” أو كما يطلق عليه جبل الرز بالإضافة إلى توزّع طفيف في أحياء أخرى كالصالحية.
لمحة عن حي الاكراد ( ركن الدين ) بدمشق
يقع حي الاكراد على امتداد العاصمة دمشق مشكلاً أكبر تجمع للأكراد بالمدينة من مئات السنين ويعود تاريخ هذا الحي ونشوئه بعد بدأ الهجرة الأيوبية في عام 1149 للميلاد عندما قدم كل من شيركوه وأخيه نجم الدين ولدي شادي بن مروان الكردي لنصرة الخليفة العاضد بأمر الله الفاطمي حاكم مصر ولتوحيد مصر وبلاد الشام لصد جيوش أوربا بعدّتها وعتادها وأحرز النصر عليها بفضل حنكة السلطان الملك الناصر صلاح الدين وبطولة جيشه الذي كان قد عين أكثر قواده بنفسه رحمة الله عليه.
عاش في هذا الحيِّ أعلامٌ ومشاهيرٌ سوريون وعرب عبر تاريخه قديماً وحديثاً، به الكثير من المدارس التاريخية والأثرية والمقامات منها ضريح ركن الدين في جامع النابلسي وحديثاً عددٌ كبير من المجمعات الدينية مثل مجمع أبو النور الإسلامي وهو مسجد مفتي سوريا السابق أحمد كفتارو ومسجد الإمام الشهيد السيد محمد سعيد رمضان البوطي وغيره.
وللحي تاريخ نضالي لا يتجزأ عن نضال الشعب السوري كافة والشعب الكوردي خاصة وقف أبناؤه في وجه الحملات الصليبية والمغولية يتصدون لها ويقدمون على مذابح الحرية قوافل الشهداء وقد شاركوا بقية شعوب السلطنة العثمانية في حروبها اللاعادلة في الأناضول والبوسنة والهرسك واليمن كما شاركوا الشعب العربي في مقاومته الاستعمار الفرنسي حيث برز العديد من قادة الثورة ورجالها الوطنين الأكراد في داخل الحي الكوردي وخارجه في مدينة دمشق وغيرها وعلى رأسهم قائد ثورة الشمال المناضل إبراهيم هنانو والمجاهد أحمد البارافي وأبو دياب البرازي وأحمد الملا ومسلم وردة وحمو جمو ورفاعي قشمة وأحمد اشيتي وحماة البرلمان مثل الشهيد أحمد أومري (وأضيف واصف هيتو ) كما استشهد من أكراد الحي الذين سقطوا صرعى على هضاب أرض فلسطين مثل : أبو حسين كلعو وأبو محمد البوطي في ثورة الشعب الفلسطيني عام 1936م.
بعض الشهداء الأكراد من حي الأكراد في مدينة دمشق أذكر منهم:
- المجاهد أبو دياب البرازي.
- المجاهد أحمد الملا الكردي.
- المجاهد عيد آلة رشي.
- المجاهد موسى شيخو آلة رشي.
- المجاهد يوسف أحمد ظاظا.
- المجاهد سعدو رناية.
- المجاهد محمد خير إيزولي.
- المجاهد أحمد بارافي.
- المجاهد جمعة إيزولي.
- المجاهد حسين ياسين مللي.
- المجاهد إبراهيم مللي.
- المجاهد أحمد أومري.
- المجاهد علي خسرف.
- المجاهد توفيق عليكو.
- وشهيد البرلمان السوري واصف هيتو.
وما يثير الاهتمام ذلك التعاطف اللامحدود مع الشخصيات السياسية العربية التي قدمت وسكنت في ذلك الحي الذي كان كوردياً خالصاً حتى وقوع نكبة 1948 ولجوء فلسطينيي صفد والجليل الأعلى إلى سوريا ولبنان فأقام السيد ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية الحالي في بيت يملكه المرحوم الأستاذ سليم الأيوبي لفترة ثلاثة أشهر وذلك عام 1964، وكان السيد فاروق القدومي يعيش هو وعائلته قرب ثانوية ابن العميد، وأيضاً المرحوم خليل الوزير.
قد عاصرهذا الحي العديد من الشخصيات الكوردية السياسية والدينية البارزة منهم البرفسور “عصمت شريف وانلي” والمناضل الكوردي “عثمان صبري” والدكتور “نور الدين ظاظا” والشاعر “جكر خوين” والعلامة الشيخ “احمد كفتارو” والمناضل “محمد خير وانلي” وغيرهم من الشخصيات البارزة بهذا الحي وتأسس في هذا الحي “نادي هنانو الكوردي ” حيث بادرة السلطات آنذاك الى إغلاقه. وبعد قدوم الرئيس حافظ الاسد سمح بفتحه على أن يكون جمعية خيرية فقط سميت بجمعية “ركن الدين الخيرية” التي تعمل على إعالة عوائل فقيرة بهذا الحي.
يوجد بهذا الحي مقام الشيخ خالد نقشبندي ومقبرة ملحقة به وفيها رفاة الامير جلادت بدرخان والشاعر قدري جان والعديد من الشخصيات البارزة بهذا الحي وايضاً هنالك مقبرة الايوبية وعدد من أولياء الله حسب ما يطلق عليهم.
وتم تغيير اسم الحي عقب الوحدة السورية المصرية بسبب السياسة الشوفينية لإلغاء كلمة الاكراد وسميت بركن الدين نسبة لركن الدين منكورس الموجود مقامه بساحة شمدين بجامع الركنية .
يسكن هذا الحي عائلات انحدرت من مناطق مختلفة من كوردستان وسميت حسب المناطق المنحدرة منها مثل: وانلي وديركي ومللي و دقوري و اومري و و بارافي و باراوي وملاطه لي وظاظا ديار بكر لي و اورفه لي وكيكي و ايوبي واله رشي و ميقري و شيخاني و نعمو و جرموكلي و مارديني ومتيني ملا رسول و عباسي وبوطي وبرازي و الملا و كفتارو وغيرهم من العائلات الكوردية.
أما الحي الآخر الذي يتكلم معظم سكانه باللغة الكوردية فهو حي “زورآفا” حيث يعتبر هذا الحي العشوائي من حيث البناء التجمع الأكبر للأكراد الذين قطنوا دمشق بعد الهجرة من المدن والقرى في الجغرافيا الكوردية في سوريا، والتي بدأت بشكل رسمي في بداية الثمانينات من القرن الماضي بسبب الفقر والتردي في الحالة المعيشية جراء السياسات المتبعة من قبل الحكومة السورية.
لقد بني الحي عندما كان مشروع دُمَّر في حيز التنفيذ حيث كان الكثير من الكورد يعملون في بناءه، ومكان الحي كان عبارة عن جبل يفصله عن مشروع دمر وادٍ صغير على طول المشروع وامتداد الجبل نحو القصر الجمهوري سمي بجبل الرز الذي اتخذه العلويون حياً لهم مع نسبة قليلة من الكورد .
فغالبية الكورد كانوا يسكنون ما بين المشروع وجبل الرز لذا سميت تلك المساحة بوادي المشاريع الغربية والتي سماها الأكراد (زورآفا).
وبناء الحي لم يستغرق وقتاً طويلاً حتى تشكل في صورته التي هو عليها الآن ،لقد بني على عجل خوفاً من مطرقة عامل البلدية التي لا تعرف سوى الهدم فكان حاله حال الكثير من أحياء العاصمة دمشق وضواحيها الأمر الذي جعله وجعل باقي ضواحي دمشق بهذه الصورة العشوائية .فعبرت عن هندسة رُسمت خطوطها في جنح الظلام ، وبعد تنامي الحي مع الزمن بلغت نسبة الأكراد فيه ما يزيد على 95 بالمئة من عدد السكان.
والمهن التي كانوا يمارسونها تعددت بتعدد الشرائح والفئات العمرية المختلفة فمعظم الرجال كانوا يمتهنون أعمال البناء والاكساء وغلبت على شريحة الشباب العمل في مطاعم دمشق ومقاهيها وانبرى قسم منهم إلى جانب فئة قليلة ممن لم يبلغوا السن القانونية للعمل في الملاهي الليلية . كما انحصر عمل بعض النساء والفتيات في مشاغل الخياطة ومعامل البسكوت وغيرها من المهن الخفيفة.
وفي بدايات الهجرة وعندما كان الحي يبنى في ليله المعتم خوفاً من صيادي البلدية وتهديدات الهدم المستمرة كان الفقر يخيم على معظم المهاجرين لكن كان النشاط في أوجه من جهته والذي أدى في السنوات الأخيرة قبل قيام الثورة إلى ارتفاع ملحوظ في مستوى الدخل والمعيشة.
لكن هذه الحالة لم تدم طويلا لأن الثورة قد بدأت وبدأت معها الهجرة المعاكسة نحو الوطن ، رويداً رويداً حتى أُفرغ الحي من الكورد إلى أن وصل إلى حاله في الوقت الراهن فنسبة الأكراد فيه اليوم حسب إحصاءات من بقي في الحي ما بين 20 إلى 25 بالمئة من عدد السكان فالحي صار ملجأً للنازحين من المحافظات الأخرى إلى جانب جلب النظام لكثير من عوائل الجيش وكتائب الدفاع الوطني.
أهم العائلات الكوردية في دمشق
تبرز في دمشق العديد من العائلات والأسر الكردية الأصيلة والتي تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من المجتمع الدمشقي، حيث لا يمكن الحديث عن العائلات الدمشقية دون ذكر العائلات الكردية الأصيلة فيها ومن أبرز هذه العائلات:
كعائلة البوطي وكفتارو وآل رشي وأوسو والأيوبي وأومري وبوظو وأجل يقين والعابد والإيبش وبدرخان والزركلي والزعيم والسيروان والشمدين وعرفان وكردعلي والنقشبندي واليوسف .
فنانون من أصول كوردية
عبد الرحمن آل رشي، هالة حسني، طلحت حمدي، كاريس بشار، سلاف فواخرجي، جيانا عيد واخوها حسام عيد، خالد تاجا، عبير شمس الدين، نهاد قلعي، أدهم الملا وولداه المخرجان بسام الملا ومؤمن الملا، عمر حجو وولده المخرج الليث حجو، عبد الرحمن عيد، لقمان ديركي، يحيى بيازي، منى واصف، هيفاء واصف، محمد أوسو، سلمى المصري، مها المصري، ديما بياعة، جانيار حسن، وائل رمضان، طاهر مامللي وآخرون.
إن هذا الامتداد التاريخي والعميق للوجود الكوردي في المجتمع الدمشقي أدى إلى انصهاره في هذا المجتمع ولم يكن هذا الوجود وجوداً سلبياً من خلال التأثر بالثقافة الإسلامية والعربية الدمشقية بل إن الثقافة الكوردية تركت أثرا كبيراً في المجتمع الدمشقي ويعدد الكاتب عز الدين علي ملا في كتابه (حي الأكراد في مدينة دمشق) بين عامي (1250-1979) الألبسة التي كانت سائدة سابقاً في الحي كالقفتان والشروال والميتان والصدرية تحت الجاكيت والفروة والعباءة والبكدلية (وأضيف أن البعض كانوا يلبسون المزوية أيضاً).
الأحذية كانت: القبقاب الخشبي – القبقاب العادي – القبقاب العرايسي – القبقاب الحمامي – الحذاء الحلبي – الصندل أو الشاروخ – المست.
أما النساء فكانت تلبس: الروب – الملاية الزم – الملاية الفلت – إضافة إلى الثوب الفضفاض التي كانت تلبسه المرآة الكوردية المهاجرة.
ولا بد أن نعرف أن هناك أسباباً جمة أدت إلى نسيان أكراد دمشق القدماء للغتهم الأم تتلخص في السياسات الممارسة من قبل السلطات المتوالية على المدينة وتهميش الثقافات الغير عربية بالإضافة إلى عدم تدريس اللغة الكوردية في المدارس ومنعها بشكل مطلق في دوائر الدولة كما أن التزاوج بين المكون الكوردي والعربي والمكونات الأخرى في دمشق أدى إلى المزيد من الصهر والاندماج إلا وأنه بالرغم من ضياع الثقافة الكوردية فقد بقي الإنتماء للهوية الكوردية للكورد الدمشقيين متأصلاً ومتجذراً في ضمير هؤلاء وعادت للإحياء مجدداً بعد أعقاب الثورة السورية2011.
المصادر والمراجع
- أبو عبيد البكري، المسالك والممالك، الجزء الأول، ص574، حققه وقدم له: ادريان فان ليوفن واندري فيري، منشورات، الدار العربية للكتاب والمؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات، طبعة 1992م.
- فضل الله العمري ـ مسالك الأبصار ممالك الابصار ـ مخطوطة مصورة ـ السفر الثالث، ص 124، يصدره فؤاد سزكين بالتعاون مع علاء الدين جوخوشا، ايكهارد نويباور، 1988ـ منشورات: معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية.
- شرفخان البدليسي – شرفنامه، ص258.
- علي أكبر كردستاني، الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافية كردستان، ترجمها عن الفارسية جان دوست. دار آراس للنشر 2002م.
- عز الدين علي ملا -(حي الأكراد في مدينة دمشق) بين عامي (1250-1979) – دار أوسو للطباعة والنشر
- محمد شريف عدنان الصواف: معجم الأسر والأعلام الدمشقية، دمشق: بيت الحكمة،2003م.
- جلادات بدرخان – مجلة هاوار – دمشق 15 – 5 – 1932
- كمال ديب – تاريخ سورية المعاصر من الانتداب الفرنسي إلى صيف 2011 – الطبعة: الثانية 2012 – دار النهار للنشر – بيروت
- أكراد دمشق بين الماضي والحاضر ضياع الثقافة وبقاء الهوية “عبد السلام حسين”
- بالإضافة إلى بعض المواقع الإلكترونية