منطقة آشيتية وسبب التسمية
العالم مليء بالكثير من القصص والحكايات المتوارثة بين الشعوب عن معارك أو شخصيات أو تاريخ مناطق. والكثير من هذه الحكايات تكون على الاغلب منحصرة بمكان معين، وبحكم الوضع الجغرافي فإن لكل منطقة إرثها التاريخي الذي يميزها عن غيرها، بل يتجه أحيانا إلى ناحية التعصب المناطقي؛ كمثال على ذلك بعض المناطق في سوريا؛ كحلب العاصمة الاقتصادية للبلاد، وبين دمشق العاصمة السياسية للبلاد، فلا يخفى على أحد النكت والتعليقات بين سكان المدينتين على بعض.
يعيد بعض الخلافات بينهم إلى أسباب اقتصادية، ومنافسة بين التجار في كلا المدينتين، بينما يعيد البعض اسباب الخلاف بين المدينتين الي الحسد ، بينما أتوقع أن سبب المشاحنات هو سياسي تاريخي بحت؛ فقد كانت كلا المدينتين ولايات قوية بذاتهما في الزمن العباسي، ومن ثم أصبحت دمشق تتبع لحلب في زمن الزنكيين ومن ثم أصبحت كلتاهما دولة مستقلة في نهاية حقبة العثمانيين إلى أن اتحدوا في سوريا الحالية زمن الملكية أيام الثورة العربية الكبرى وانتقال العاصمة إلى دمشق.
مثال آخر في سوريا بين مدينتي حمص وحماة، وهذه الخلاف قديم أخذت طابعا فكاهيا، وخلاف على نهر العاصي وحلاوة بالجبن التي تشتهر بهما المدينتان مع أن الخلاف الحمصي الحموي فكاهي ولكنه أخف من الخلاف بين دمشق وحلب،
أما في الجزيرة وبالتحديد في محافظة الحسكة فهناك اختلاف مشابه ولكنه مختلف كليا عن الخلافات السابقة. بين الآشيتية والغربية ولا يوجد كوردي في كوباني وعفرين والشهباء لم يسمع بالنكات والطرائف المتبادلة بين الفريقين؛ فريق الحلاوة التي يشتهر بها الآشيتية (ومع العلم أن المنطقة الكوجر هي المشهورة بالحلاوة وسيرك ولكن الطرف الغربي يعمم هذه الصفة على كامل من يقع شرق مدينة قامشلو إلى نهر دجلة حيث إن شرق قامشلو بها أكثر من منطقة وهي بترتيب آشيتي، اليان، كوجر، هسنا) وفريق الزيت وزعتر التي يشتهر بها الغربيين. ولكن خلاف الآشيتية والغربين هو خالٍ من التعصب والحقد بل هو مزيج من الفكاهة والطرائف يتبادلونها بين بعضهم.
بداية تاريخية
تعتبر الجزيرة السورية (الجزيرة العليا) ثاني أكبر مكان مليء بالآثار التاريخية المندثرة بعد الجزيرة العراقية (الجزيرة السفلى) وكثير من آثار الجزيرة السورية تدل بشكل وثيق على عمق وقدم الوجود الكوردي فيها من آثار حموكر وليلان وسري كانيه…..إلخ. والتي تصل إلى آلاف السنين وإلى تلال ديرك وجل آغا وريف قامشلو والتي تصل إلى العهد الأيوبي ولكن هناك فترة انقطاع بين العهد الأيوبي وعهد صراع العشائر الذي يبدأ حوالي القرن السادس عشر ميلادي وعند تعمقنا في البحث وصلنا إلى ما يلي: بسبب خصوبة الأراضي ووفرة المياه وكثرة الخيرات بين جبلي شنكال وعبد العزيز من جهة وباكوك من جهة آخرى (طوروس) فإن جحافل الجيش المغولي اتخذت الارضي بين الجبليين ممراً لقواتها للعبور إلى حلب والأناضول والداخل السوري وذلك لسهولة الطريق وسهولة تأمين الدعم اللوجستي للفيالق الجيش المغولي، مفضلة إياها على الطريق الصحراوي المار بالصحراء العراقية والسورية وأدى هذا الأمر إلى تدمير القرى الكوردية في الجزيرة حينذاك وهروب سكانها إلى أعالي جبال طوروس وما خلفه للنجاة من التسونامي المغولي التتاري الذي دمر الشرق الأوسط وهذا أدى إلى إفراغ المنطقة بشكل كامل من سكانها عدا مدينة نصيبين التي احتلها المغول وهكذا بقي الوضع على ما هو عليه وتحولت المنطقة على مدى أربعة قرون إلى منطقة برية إلى أن اندثر المغول وخطرهم المباشر ونزلت العشائر الكوردية من طوروس مجددا ولهذا يقول معظم كورد الجزيرة إنهم من سرختي رغم أن سرخت مصطلح جديد بعد بناء سكة حديد الشرق في القرن التاسع عشر. إلا أن هناك قرى ماهولة حاليا يرجع تاريخها إلى أكثر من ٤٠٠ سنة مثل دوكر وازناور وتل شعير وهناك الكثير من القرى الأخرى يعود تاريخها لأكثر من مئتي سنة.
في ريف قامشلو دارت الكثير من القصص والملاحم التي كونت الشكل الحالي للمنطقة باختلافها العشائري والقومي وتبين لهجاتها وانقسام المنطقة إلى مناطق معروفة للسكان مثل منطقة الكوجر بين كركي لكي وديرك ومنطقة دشتا هسنا ومنطقة آليان ومنطقة آشيتية ومنطقة غربية ولكل اسم منطقة قصة وحكاية تميزها عن الأخرى ففي منطقة الهسنان (دشتا Hassenan) تنسب لقبيلة الحسنان الكوردية الشهيرة الذين استقروا في جزيرة بوتان وقد ذكرهم فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار كما تحدث عنهم ابن خلدون “١” فسميت منطقة دشتا هسنا باسمهم إلى اليوم.
كما تسمية منطقة الكوجر قرب ديريك فهي أتت من مراعي الكوجر الذين كانوا يسرحون بأغنامهم من عند بحيرة وان إلى جبل شنكال وكما يقول الكاتب علي صالح ميراني في كتابه تاريخ عشيرة ميران: (مهما يكن من الأمر، يمكن ملاحظة ارتباط أبناء العشيرة الوثيق بالمراعي التي فرضوا عليها نفوذهم لقرون.. حيث شكلت سهول جزيرة بوطان وهضاب وان الحدود الشمالية لمراعي العشيرة، في حين كانت منطقة كسك وسنجار التابعة لولاية الموصل حدودها الجنوبية، وذلك بحسب المصادر التاريخية وشهادات الرحالة الذين زاروا المنطقة في الفترات المتقطعة.. ص28) “٢”
سنجقا آشيتية
(السنجق كلمة عثمانية وهي أحد التقسيمات الإدارية في الدولة العثمانية، ويعني المنطقة أو المقاطعة بالعربية) وسبب تسميتها واسم هذه المنطقة لم يأت أبدا اعتباطيا بل لها من تاريخ ما لها من القدم والبطولة فهي ليست تقسيمات ساخرة كما يتناقلها أهل المنطقة بينهم الآن من نكات طريفة عن الآشيتية والغربية وكلمة آشيتي تعني السلام في اللغة الكوردية وهذه المنطقة معروفة بحدودها الجغرافية فهي تمتد من جبل باكوك شمالا إلى حدود جبل شنكال جنوبا ومن مدينة تربسبيي / قبور البيض (القحطانية) شرقا إلى مدينة قامشلو غربا وأغلب أراضي منطقة سنجقا آشيتية هي لآل عباس من عشيرة دوركا ولها سندات تمليك بها الوثيقة رقم ( 1 )
الوثيقة رقم ( 1 ) |
(الوثيقة ١ سند تمليك خاقاني ويعود إلى منتصف 1800 تقريبا ويثبت ملكية آل عباس رؤساء عشيرة دوركا ومنطقة سنجقا آشيتية لأغلب أراضي منطقة سنجق وحسب ما هو مذكور فيها.
القرية: دوكر / حدود أطراف أربعة: شرقا قبور البيض /تربسبيي/ القحطانية/. غربا طريق دكشوري، أما شمالا وجنوبا غير واضح في السند لكن في الواقع شمالا يبدأ من الحدود الشمالية، وجنوبا إلى قرية غردوكة).
وقصة سنجق آشيتية تمحور حول خلاف بين عشيرة دوركا الكوردية صاحبة المنطقة والأرض وبين عشيرة طي العربية والتي أرادت فرض النفوذ على أرض المنطقة وتوسعة مراعيها لرعي الإبل والأغنام ولذلك سوف ندرس طرفي النزاع لمعرفة تنقلات هاتين القبيلتين وكيف ولد الصراع بينهم وقتها.
أولاً – عشيرة دوركا
وتبدأ القصة من تحالف الروزكية حيث (تعتبر القبيلة الروزكية من أهم القبائل الكوردية التي استوطنت أرمينيا وكان مركزهم في مدينة بدليس ونواحيها وفي المناطق الواقعة إلى الجنوب من بحيرة وان حيث يذكر شرف خان البدليسي صاحب كتاب الشرفنامة الذي هو من أبناء الروزكية وضليع بأخبارها أن الاتحاد القبلي الروزكي توجه نحو مدينة بدليس وانتزعها من يد قبيلة الكردكسي وأنها – الروزكية – تحكم المدينة وأطرافها منذ سبعة وستين عاماً) “٥” و ينتمي لهذه قبيلة الملك أشرف ثم يأتي بعده ثمانية عشر أميرا متعاقبا ليصلو إلى الأميرين الأمير
- الأمير عز الدين (وأولاده هم البدرخانيون؛ حكام جزيرة بوتان)
- الأمير شمس الدين (وأولاده حكام إمارة بدليس)، وكان لأمير شمس الدين ولدان هما الأمير شرف الدين (1480- 1533م) الذي حكم إمارة بدليس وأخوه الآخر وهو الذي نتناوله بدراستنا الأمير خاني.
- الأمير شرف الدين كان من الحكام الأقوياء وخلفهُ في الحكم الأمير شمس الدين الذي كان يتولى حكم إمارة بدليس حتى العام 1537م عندما طلب منه السلطان العثماني سليمان القانوني التنازل عن إمارة بدليس ومنحه ولاية ملاطيا ومرعش الكرديتين.
لكن الأمير شمس الدين خان (1504- 1576) فهم بأنها خدعة تحاك ضده فلجأ إلى الشاه الصفوي (شاه طهماسب) في ارجيش ومنه إلى تبريز مع عائلته وسلمه الشاه ولاية منطقة سراب كما منح الأمير شمس الدين خان حينها منطقتي مراغة ودماوند ومن بعده أتى ابنه الأمير شرف خان بدليس 1543م – 1604م صاحب كتاب شرف نامة والذي عاد ليحكم بدليس بعد خلافه مع الشاه الصفوين.
– (بينما الأمير خاني والذي كان لديه خمسة أبناء منهم الأمير دورك الذي هو ابن عم والد شرف خان البدليسي أمير بدليس وكاتب كتاب شرف نامه وكان الأمير دورك قائد الحامية العسكرية لإمارة بدليس (فيذكره شرف خان البدليسي في كتابه ويقول: ففي سنة (٩٣٨ ه- ١٥٣١ م) جاء (فيل يعقوب، وأؤلمه) بجيش عرمرم، ونزلا في ظاهر قلعة بدليس وضربا نطاق الحصار عليها حالا فنشب القتال واتقدت نيران الحرب بين الطرفين ودام النضال ثلاثة شهور على وتيرة واحدة يشرعون في القتال كل يوم من مطلع الشمس إلى مغيبها حيث يأوي الجنود إلى مساكنهم، ويخلدون إلى الراحة والاستجمام في الوقت الذي يتسلم الحراس والديدبانات عمل الليل بكل حذر ودقة وإخلاص، حتى تهدمت البروج والأسوار من شدة الضرب بالمدافع الكبيرة والعرادات الضخمة وكادت أن تستوي بالأرض.
ووصل الحال بالمحاصرين إلى الفناء والهلاك واليأس والعجز عن الدفاع. فإذا بخبر قدوم الشاه طهماسب استرضاء لخاطر الأمير شرف من تبريز متوجها بجيش جرار نحو بدليس، الأمر الذي حمل (فيل يعقوب) و(أؤلمه) على فك الحصار واللوذ بالفرار مضطرين متحيرين تساورهما الدهشة والقلق. ويقال إن الخوف والذعر كانا قد بلغا مبلغا أفضى إلى تركهم الأثقال، والخيام، والأموال، والأسلحة الكثيرة وعددين من المدافع الضخمة التي كانوا نصبوها في الجهة الشرقية أمام طلسم باب القلعة، بل كانوا نصبوها هنالك ودكوا بها البروج والأسوار وجعلوا عاليها سافلها كل ذلك تركوها في مكانها وولوا الأدبار.
ويروى أن البطل (قرا يادكار) الذي صار أخيرا يدعى (دورك) (قفز) ونزل بجواده من القلعة واطلع على رحيل العدو فطار بجواده يحمل هذه الأخبار السارة إلى أخلاط حيث نزل الموكب الشاهي بها ورفع البشرى إلى العتبات السامية التي أغدقت عليه النعم، وجعلته فخورا بين أقرانه وممتازا) “٦” حكم دورك وأخوه ومن بعده أحفادهم المقاطعة الروزكية الجنوبية لإمارة بدليس من مدينة حسن كيف حتى ما وراء ماردين ونصيبين وأورفا وعينتاب وحتى السهول الجنوبية لتخوم جبال شنكال (وشرف الخانات الروزكية هم الإخوة الخمس الأمير (دورك خان والأمير دل ممك والأمير جودك والأمير دومان والأمير مومان) وكل واحد منهم الآن عشيرة بذاتها بنفس الاسم وكان الإخوة هم حكام مقاطعة الروزكية الجنوبية تحت قيادة أخيهم الأكبر الأمير دورك خان وكانت والدته حفيدة الشاه الصفوي حاكم إيران ولقبته عند مولده باسم أحد كبار رجال الدين العلوين (قره يدكار) ولأن اهل الأمير لقبوه فيما بعد بدورك بسبب بطولاته وشجاعته في المعارك وكان لدورك خان ثلاث اولاد(مير عابدين – مير موسك -مير باكران) هما الأمير عابدين الذي حكم مدينة حسن كيف بعد عودة الأمير شرف خان من ايران ولكنه قُتل في جامع مدينة كرجوس
اما الابن الاخر لدورك خان مير موسك وكان من ابنائه:
الأمير اوسو حاكم مدينة حسن كيف
والأمير حسي ابن اوسو الذي اسس قرية خاني في باكور كردستان واسس القيادة الشمالية الروزكية وجعلها مكان لقواته العسكرية وللتدريب وقد زرتها ولم يبقى منها الا اطلال وماتزال احجار سجن وغرف حسي اوسو ظاهرة إلى اليوم ثم يأتي الأمير أصلو ابن حسي الذي هو الأهم في دراستنا الذي استلم القيادة الوسطى في كري ميرا (Girê Mîra) قرب نصيبين في باكور كردستان والذي خاض معركة دريجيك (جرحي) في ريف تربسبيي ضد عشيرة طي والتي سميت المنطقة بجرحي بسبب كثرة الجرحى في صفوف طي فكان يصيحون جريح جريح فسميت المنطقة بسبب هذه المعركة كما كان الأمير أصلو أول من بنى قرية في منطقة سنجقا آشيتية وجعل قريته دوكر (ومعناها التلتين) مركز القيادة الجنوبية حوالي عام ١٦٥٠ تقريبا، كما خاض الأمير أصلو وابنه الأمير مراد (الذي حكم دوكر بعد والده أصلو إلى وفاته عام ١٧١٦م) المعركة الثانية التي عرفت بـ عركة هردو ضد عشيرة طي والتي اتت بعدها معاهدا آشيتية)”٧”
ثانياً – عشيرة طي
إن عشرة طي واحدة من أشهر العشائر العربية في المنطقة وموطنهم هو جرش التابعة للمملكة السعودية على حدود اليمين الشمالية الخارطة رقم (1)
الخارطة رقم (1) |
تخبرنا الحكاية إن الطائيين تركوا موطنهم وساروا نحو الشمال الغربي مقتفيين أثر جمل كان يختلط كل عام بقطعانهم ثم يختفي. هذا الأثر قادهم إلى جبال أجا وسلمى أو جبل شمر الحالي في شمال نجد فامتلكوا المنطقة التي حملت اسمهم وعرفت منذ ذلك الوقت بـ “جبل طي” تمكننا أخبار مؤرخي العصر القديم المتأخرين من تحديد تاريخ هذه الهجرة ووضعها في سياقها التاريخي الصحيح. في الحوار الشهير حول القدرة التي تركته لنا المدرسة الغنوصية السورية بارديسانيس الأدويسي (الغنوصية كلمة يونانية تعني المعرفة اصطلح الدارسون على استخدامها لوصف عدد من الحركات الدينية في العالم الروماني القديم) يذكر الطائيون إلى جانب السارزين (سارزين مصطلح كان يطلقه الغرب على العرب بوجه عام) باعتبارهم من أقوام شمال جزيرة العرب ويظهر القومان كلاهما في الكتابات المسيحية القديمة التي دونت في الألواح اليهودية وفي الأخبار العربية لاورانيوس التي يستشهد بها ستيفانوس البيزنطي بما أن هذه الأعمال ترجع إلى القرن الثالث بعد الميلاد وكذلك حوار بارديسانيس الذي يعود إلى مطلع هذا القرن أيضا فإن علينا أن نعتبر هجرة الطائيين تعود إلى القرن الثاني لا سيما وأنهم كالسارازين أقدم ممثلي الشريحة المهاجرة التي تدفقت على شمال جزيرة العرب وسيطرو على أراضي النبطيين بعد انهيار مملكة النبطيين (106ميلادية) ويبدو أن هجرات طي انطلقت من اليمن من أرض مذحج وخاصة بسبب انهيار سد مأرب الشهير والصراعات السياسية هناك بين الساسانيين والبيزنطيين ففي نجران قام ملك حمير يوسف بن شرحبيل المشهور بذو نواس بحرق مسيحي نجران في قصة مشهورة أصحاب الأخدود وبعد هذه الحادثة شجعت بيزنطة ملك اكسوم (الحبشة -اثيوبية) باحتلال اليمن وأخذها من يد حمير حليفة ساسانيين وكانت سيطرة الأحباش على يمن 525 – 599م بينما استعاد الساسانيون اليمن 57٠ – 599م وقد ادت هذه الاوضاع الى هجرة بعض القبائل اليمنية إلى أرض الحجاز.
ولم يكن موطن طي الجديد واسع الأرجاء فقد اقتصر على أجا وسلمى والعوجا الواقع إ لى الغرب منها لكن الوضع القديم سرعان ما عاد مع انهيار مملكة كنده في مطلع ثلاثينيات القرن السادس الميلادي حيث انقسمت طي إلى مجموعتين الغوث والجديلة من قبائل غوث النبهان وبنب ثعل وقد سكنت الأولى السلمى والأخيرة الأجا. اما أفخاذ بني ثعال فمنهم السنبس عدي ابن اخزم (سيط حاتم) وسلامان. لم تكن العلاقة طيبة بين المجموعتين بل إن قتالاً نشب في نهاية القرن السادس بين غوث وجديلة واضطرت أجزاء منهما إلى الهجرة مؤقتا نحو الجوف وحوران.
من جانبه سبب الإسلام انقسامات إضافية فيهما إذ اختارت أغلبية القبيلة الدين الجديد بينما رفضه آل عدي بن اخزم وغيرهم من الأقوياء وبعدها وبعد عدة حروب اعتنقت القبيلة كلها الدين الجديد وقد كانت مشاركة طي ضعيفة في جيوش الفتح الإسلامية أما هجرتها فقد بدأت بالتدريج واستمرت إلى عتبة العصر الحديث، علما بأن هدفها لم يكن العراق بل سوريا حيث كانت للقبيلة علاقات قديمة على كل حال ونشأ مستقر لها جنوب حلب منذ حقبة ما قبل الإسلام قد يفسر وجوده توجه قسم من هجراتها إلى منطقته حيث يرد ذكرهم هناك تحت حكم معاوية “٣”.
ولم تحافظ أي قبيلة من طي على اسمها الأصلي باستثناء طي بلاد الرافدين ويقول كارستن نيبور ((وقد روى لي عبد المحسن شقيق شيخها الحالي أن أسلافهم جاؤوا إلى بلاد الرافدين عندما كانت لا تزال تحت حكم الأميرين قريش عقيل اللذين يحملان الاسمين نفسيهما هذا يعني أن هجرتهم حدثت بين عام 1051م و 1061م لكن الوقائع التاريخية تؤكد أن الهجرة أقدم من ذلك. لأن طي كانت موجودة خلال القرن العاشر في بلاد ما بين النهرين وفي القرن الثامن عشر (القرن ١٨) كلفت قبيلة طي بحماية الطريق من ماردين إلى الموصل ضد إيزيدي سنجار وقد شق تقدم شمر في مطلع القرن التاسع عشر (القرن ١٩) طي إلى مجموعتين اقتصر وجود الأولى منهما على منطقة القبيلة أصلية حول سنجار (خارطة ٢) والثانية على ضواحي أربيل في الجانب الآخر من دجلة حيث تمضي قبيلة الأولى في القرن التاسع عشر الصيف بين خط سكة الحديد وأرض الجغجغ وصولا إلى (دمير قابو) والشتاء عند أقدام جبل سنجار وانصرف قسم منهم للزراعة منذ وقت طويل في شرق وجنوب شرق دجلة حيث بنت الغنامة ثلاث قرى )) “٤”
الخارطة رقم ( 1/2 ) |
الخارطة رقم ( 2/2 ) |
الخارطة رقم (1/2) و ( 2/2 ) وهي خريطة كارستن نيبور المستشرق الألماني وعالم الخرائط والرياضيات الذي ترأس البعثة الدنماركية العلمية حيث وضعها في المجلد الثاني والذي عنوانه (رحلات إلى بلاد العرب وبلدان أخرى محيطة بها والخارطة موجودة في الصفحة ٣١٦ المصدر ٤) نشر عام 1774 م وقد أعاد أحد أبناء نيبور نشر هذا المجلد سنة 1837م.
هذه الخريطة هي لغرب كوردستان منطقة الجزيرة السورية (حالياً) حيث مر منها نيبور في رحلته ورسمها فيما بعد حيث يلاحظ فيها أن مدن -نصيبين- عامودا – وبالمرور بشكل مستقيم غربا حتى أورفا هي تابعة للعشائر الكوردية المرتبة كالآتي
آشيتي – ملان – شيخان – كيكان – دقوري
ونلاحظ عدم وجود عشائر عربية سوى عشيرة طي في شمال سوريا والعراق والتي تحد جنوبا وجنوب وغرب كوردستان.
ثالثاً – اسم آشيتية وقصتها
أما قصة اسم آشيتية فهي تبدأ ببناء الأمير اصلو لقلعة دوكر عام ١٦٥٠ والتي كانت أول قرية تبنى في منطقة آشيتية وجعل قلعة دوكر قاعدة لقواته إلى تخوم جبل شنكال ولأن من عادة العشائر البدوية الترحال والتنقل لتوسعة المراعي ولغنى منطقة آشيتية بالسهول الخصبة والانهار فقد حاولت عشيرة طي الانطلاق من تخوم جبل شنكال للتوسع إلى منطقة نفوذ الأمير أصلو فتصدى لهم في معركة دريجيك التي ذكرناها منذ قليل واوقع في صفوفهم خسائر كبيرة وانسحبوا من المنطقة عائدين إلى تخوم جبل شنكال ولكنهم أعادوا الكرة مرة أخرى فتصدى لهم الأمير أصلو مع ولده الأمير مراد لهم في معركة هردو والذي استبسل اصلو وابنه ورجال عشيرته فيها بكل قوة وهزموا عشيرة طي ولأن الأميرين أصلو والأمير مراد لم يكونا فقط قائدين عسكريا شجاعين بل كانا أميرين سياسيين ذكيين ويتمتعان ببعد نظر ففرضا على عشيرة طي اتفاق سلام ويقابله بلغة الكوردية كلمة آشيتي وذلك ليوقف هذه الهجمات ويجعل إدارة وتنظيم المنطقة بيده ويكون كل شيء وفق قوانين وشروط يضعها هو ويحدثنا الكاتب برزان عز الدين عباس سليل عائلة آل عباس حكام دوكر أحفاد الأمير أصلو عن بنود معاهدة آشيتي حيث يقول:
بنود المعاهدة هي كالتالي:
- أولاً: يجب أن يسكنوا في الجنوب عند تخوم جبل شنكال.
- ثانياً: عدم المجيئ إلى المنطقة للرعي إلا بإذن مسبق.
- ثالثاً: المشاركة ضد أي هجوم خارجي.
- رابعاً: تحديد دية القتيل بينهم.
ومنذ ذألك الوقت ارتبط اسم آشيتية بقبيلة دوركا وتعمم فيما بعد على المنطقة برمتها وسميت بمنطقة سنجقا آشيتيا واللفظ العربي /الآشيتية/ نسبة لاتفاقية السلام التي جرت بينهم والسلام بالكوردية (آشيتي).
وعلى إثر تلك الاتفاقية أيضا شاركت عشيرة الجوالة وهي فخذ من قبيلة الطي في ثورة بياندور ومعركة دياري مالا عبيس والتي حولها العملاء والخونة إلى (دياري توبي) وكانت الثورة بقيادة آل عباس زعماء عشيرة دوركا ضد الفرنسيين سنة 1923 والتي اندلعت بعد إعدام الشهيد الأمير عباس محمد عباس على يد الضابط الفرنسي روكار) “٨”
وبهذا أصبحت المنطقة بعد المعاهدة تنقسم لقسمين فالقسم بين قامشلو وتربسبي تعرف بأرض آشيتية وغرب قامشلو اصبح تدعى (غربي) ومن هنا لقب كل من يسكن أرضي معاهدة بالآشيتيين وكل من يقع غرب أرض المعاهدة سمي بالغربيين وإن لهذه المعاهدة أثر هام فبفضل هذه المعاهدة حافظت المنطقة على كورديتها وتوقف الزحف لقبيلة طي لمنطقة ولولا ذلك لكانت مناطق منطق سنجقة آشيتية وحتى اليان وصولا لأرضي كوجرات كلها سكنت من قبل طي وأحلاف منضوية تحت رايتها.
ونجد في الوثائق العثمانية أيضا أن مشكلة توسع عشيرة طي لم تكن تنتهي في المنطقة ولكنها أصبحت في غرب منطقة آشيتية ففي عام ١٨٥٩ وفي وثيقة عثمانية مرقمة تحت I.DH.421 (الوثيقة ٢) كتبت دعوة من شيوخ وعشائر عربية انساقوا مع طي ولكنهم ندموا وطلبوا عفوا من والي ديار بكر حيث كانت هذه المنطقة تابعة لحكم ديار بكر هذا بعض ما جاء في الوثيقة: (المعروض بعد الدعاء الواجب المفروض إلى حضرت جناب أفندينا المحترم ما دام العالم امين. البادي لتحرير هذه العريضة وتقديمها إلى حضرت أفندينا صار من مدة أربعة سنين شيخ طي علي الحسين ويعمل علينا جور وتعدي وكان رجل طاغي وعلى الخصوص هذه السنة المرقومة طغاء وبغاء وما بقا يبالي لا لفقير ولا أبناء السبيل وبالكلية ظهر الشقاوة وخيانته وبقا يجول على الفقراء وأبناء السبيل… ولما مشي عليه صاحب العزة مير آلاي عساكر شاهانه إسماعيل بك وأطلق الغارات على العسكر وشاف ما يقدر على مقاومة ولى فرارا وساق معه الفقراء والمساكين…. توقيع درويش وشيخ الغنامة وشيخ البقارة وشيخ بني سبعة وشيخ معامرة وشيخ زبيد وشيخ حرب وشيخ بو عاصى تم رفع طلب إلى رئاسة الولاية من قبل مجلس منطقة نصيبين) “٩”.
وتبين وثيقة أنه وحتى بعد معاهدة آشيتي بقت طي تحاول جاهد إثارة المشاكل في المنطقة والسيطرة على باقي العشائر العربية وبعد انهزامها على يد قوات إسماعيل بك ندمت باقي العشائر وتراجعت وتبرأت من زعيم طي.
الوثيقة رقم ( 2 ) |
كما تظهر وثيقة عثمانية أخرى انتقال قضاء نصيبين الذي كان تابعا لولاية ديار بكر إلى عام ١٨٧٢ حيث نقلت تبعية قضاء نصيبين بعدها ليتبع لواء الزور برقم وثيقة من أرشيف العثماني şE.2213.38.1 (الوثيقة ٣)
كما يظهر إحصاء عشيرة طي أن جميعهم في منطقت جنوب قامشلو في القرى التالية: حمدي – حج بدر – ابو ذويل – عامرية – حرب- جوخة – شيخ عجيل – اجمرة – معامر- ارصيا – حجي- عوينه – شيبانه – عوينه زغير – ركابيه – جندي – تل ابريش – مسعدة – سلام عليك – حامو – اكرير – دعدوشية – جركو – غمو – ديو – رشواني – اعويجة والمجموع ٧٣١ بيت من طي في ٢٨ قرية وهذه إحصاءات تعود لبعد فك ارتباط نصيبين عن ديار بكر وربطها بدير الزور عام ١٨٧٢ “٩”
الوثيقة رقم ( 3 ) |
كما يظهر في خارطة الجزيرة من قبل الضابط الفرنسي بيير تييريه عام 1919 مقسم الجزيرة حسب العشائر المسيطرة على الأرض والتي هي أغلبها عشائر كوردية مع ظهور لعشائر الطي والشمر وهذا يدل على احتفاظ المنطقة على معاهدة آشيتي والتقسيمات التي أقرت في تلك الفترة إلى تاريخ رسم بيير خارطته عام ١٩١٩ الخارطة رقم ( 3 )
الخارطة رقم ( 3 ) |
رابعاً اختلاف اللهجة بين الآشيتية والغربية
الكلمة باللهجة الآشيتبة | الكلمة باللهجة الغربية |
ضولمك | خرتك |
باجاني رش | بعجاني رش |
باجان | بعجان |
پاني | جور |
خار | بني |
بالكه | بعليف |
چل | چك |
شمك | ترلك |
پيفل | بوز |
مل | پي |
نقوشك | قرنجوك |
تره | تري |
تالي | داوي |
هيت | ديوار |
جنك | باسك |
شنامي | امو شني |
ستور | قالند |
المصادر
- تاريخ ابن خلدون .بيروت 1971.319/4.
- موقع مدارات الكرد /قراءة سريعة في كتاب (تاريخ عشيرة ميران) للكاتب علي شمدين -2021- 4-6.
- كتاب البدو- تأليف المستشرق الألماني ماكس فون أوبنهايم و البروفيسور ورنر كاسكل و آرش برونيلش – تحقيق وتقديم ماجد شبر- الناشر الوراق للنشر /عمان – الاردن2007 الصفحات 264-265-266-267-268.
- رحلة إلى شبه الجزيرة العربية وإلى بلاد اخرة مجاورة لها جزء الثاني – كارستن نيبور – ترجمة عبير المنذر /دار الانتشار العربي -بيروت لبنان الطبعة الاولى 2007 الصفحات 269-270.
- من موقع كالكامش مقال تحت عنون الكورد في العصر العباسي حتى مجيء البويهيين (132-334 ه /749- 946م) 5 لدكتور زرار صديق توفيق / يونيو 24, 2012.
- كتاب شرفنامه / تأليف شرف خان البدليسي الجزء الاول 2006/ دار الزمان لنشر الصفحات 395- 396.
- كتيب عشيرة دوركا / إعداد آل عباس.
- من دراسة أجراها الكاتب برزان عز الدين عباس تحت عنوان معنى كلمة سنجقا آشيتيا (سنجق الآشيتية) ومن أين أتت هذه التسمية وأين حدودها.
- لواء الزور في وثائق العثمانية ص ٢٢٠- ٢٢٤- ٢٢٦ ترجمة واعداد أحمد السلامة القيسي- مركز التاريخ العربي للنشر- الطبعة الأولى ٢٠٢٠.