جارشما سور أو الأربعاء الأحمر ماذا تعني العبارة وما قصتها؟

جارشما سور أو الأربعاء الأحمر ماذا تعني العبارة وما قصتها؟

الأربعاء الأحمر، أو كما يسمى بالكورديَّة “چارشمبا سور” أو “چارشما سور” هو عيد رأس السَّنة عند الإيزيديين الكورد (٦٧٧٠ سنة تقريباً بتقويم الديانة الأيزيديَّة)، ويصادف الأربعاء الأول من شهر أبريل/نيسان في كل عام حسب التقويم الشرقي الذي يتأخر عن نيسان التقويم الغربي بـ 13 يوماً.

وهي إحدى أقدم الأعياد البشريَّة على الإطلاق فهي ووفقاً للميثولوجيا السائدة لدى هذه الدْيانة تعتبر هذا العيدِ هوعيدُ التَّكوين، وبدءِ الخليقةِ، وبدايةِ الحياةِ، ونشأةِ الأرضِ، واكتمالِ الرَّبيع.

 وتقول هذه الميثولوجيا أنَّ طاووسِ ملك/ رئيس الملائكة قد بُعِثَ من قبل الرَّبِّ إلى الأرض التي كانت سراباً ليحوِّلها بإذنهِ إلى أرضٍ حيّة من ماءٍ وترابٍ كما هي، ويُنبِتَ بإذنهِ فيها الرَّبيعَ بألوانهِ الزَّاهيةِ والتي صادفت أن يكون ذلك في يوم “الأربعاء الأحمر” بحسبِ مُعتقداتِ الدِّيانة الإيزيديَّة.

ونَجِدهُ في النُّصوصِ السُّومريَّةِ قبل آلاف السنين والتي تحدَّثت عن عيد “زك موك أو زك ماك” الشَّهير بين الباحثين في تاريخ الأديانِ والحضَارات القديمة، كونهُ أحدَ أقدمِ الأعيادِ المعروفةِ في التَّاريخ البشريِّ، وهي تعني “البطن الأوَّل” أو “أمِّ البُطون” في إشارة إلى أوَّلِ خُصوبةٍ لأنَّ العيد مرتبط بخصوبةِ الكائناتِ الحيَّة كما هو حال عيد” الأربعاء الأحمر” للكورد الإيزيديين والمستمر إلى يومنا هذا.

وقد ورد في كتاب “السَّبقة” وهي أحد أهمِّ المَراجعِ الإيزيدية غيرِ المتداولةِ أنَّ الأربعاء الأحمر سُمِّي بهذا الإسم لأنَّهُ في مثل هذا اليوم ضخَّ الله الدَّمَ الأحمرَ في جِسمِ أوَّل إنسان وهوآدم عليه السلام حيثُ شرِبَ آدم عليه السلام من ذلك الكأس للحياة فارتجف في مَكانهِ، واكتَملَ لحمهُ، وجرى الدَّمَ في عروقه وجسده.

في هذا اليوم يُعيدُ فيه “طاووسِ ملك” بإذن الرَّبِّ الخصوبةَ إلى الكائناتِ الحيَّة خاصةً (النبات والحيوان) ويبدأ فجرُأوَّلِ يومٍ بالَّلونِ الأحمرِ وتَنضجُ شقائقَ النُّعمانِ الحمراءَ، لذلك نجد أن الكورد الإيزيديين يُعلٌّقونَ على أبوابِ منازلهم ورودَ أبريل/نيسان الحمراءَ فجر الإحتفال بعيد الأربعاء الأحمر.

إنَّ عيد “الأربعاء الأحمر” وُفقَ المعتَقَدِ الأيزيديِّ هي عبارة عن أربعةِ أعيادٍ دينيةٍ في آن واحد بمعنى أن هناك أربع مناسباتٍ متشابهةٍ لكنَّها حدثت في أزمانٍ متباعدة ويُحتفل بها في هذا اليوم أو في يومٍ واحدٍ.

العيد الأول عيد التكوين

عندما انفجرت الدرَّة البيضاء وهي الكون وتناثرت من صرخةِ آمرِ الله -حسب نصوص الدِّيانة الإيزيديَّة- وتكوَّنت منها أربعة عناصر:( التراب آخ، الماء آف، الرياح باي، النارآكر) التي تفاعلت مع بعضها البعض وشكَّلت النجوم والكواكب.

العيد الثاني ذكرى غَليانِ الأرض

ثمَّ تجمُّدها وتكوينها واخضرارها، وهذا ما تظهرهُ أو تختزلهُ عملية غليان البيضة ثم تبريدها ثم تلونها في صورةٍ متشابهة أو متقاربة.

العيد الثالث عيد الخليقة

وذلك عندما خلق الله أوَّلَ كائنٍ حيٍّ وضَخَّ الدَّم الأحمرَ في عُروقهِ وجسدهِ لهذا سُمِّيت چارشما سور حيث كانت الطبيعة في أبريل/نيسان َتمتلئُ بالورودِ الحمراءِ وتُعَلَّقُ على الأبواب.

العيد الرابع والأخير عيد الخصوبة

عندما تخصَّبت أوَّلُ بيضةٍ لإعادةِ تكوينِ أوَّلِ كائنٍ حيٍّ، بمعنى أنَّ هذه الطقوسُ والمناسبات تُذكِّر ببداية التكوين.

يا نار خذي لوني الأصفر.

الإيزيدية في جميع أعيادها تحتفلُ مع الدَّورة الطقسيَّة للطبيعة، فعيد الأربعاء الأحمر كما يقولُ الصٌّحفيُّ المُختصُّ بالدِّيانة الأيزيدية “جابر جندو ” بأنهُ مرتبطٌ بالطبيعةِ، وتصادفُ معظمَ طقوسُ هذهِ الدِّيَانةَ في شهر نيسان من كلِّ عامٍ، وأولهم عيد” جارشمبا سور” حيث يُحرم فيه على الإيزيدي حراثةَ الأرضِ، فهي حُبلى بالنَّباتاتِ وغيرها، ولا يجوز إيذاؤها، ويُمنعُ على الإيزيدي فيه من السفر بعيداً عن منزلهِ أو مكان إقامته.

وقبل يومٍ من العيد (أي يوم الثلاثاء) يقوم الإيزيديون بنحر القرابين، وإشعال النيران مساءً لأنه لا يجوز وفق معتقدِهم ذبح أيُّ شيءٍ يومَ الأربعاء، والنَّارُ في الديانة الإيزيدية هي رمزُ النُّور، والشمس وهي رمز الحياة على الأرض وقبلة الإيزيديين الذين لا يحبون الظلام والعتمة.

صبيحة يوم العيد تقوم الفتيات بسلق وتلوين البيض وهو أهم طقس لأتباع الدِّيانةِ الأيزيديَّة، إذ يعدُّونهُ رمزاً لخلق الكون والأرض وكيفية خلقهِ؛ فالبيضة تمثل الحالة بكلِّ معانيها حيث إن البيضةَ أثناءَ عمليةٌ سلقها يتحولُ داخِلُها السَّائلُ إلى جامد وهذا تمثيلٌ لتجمُّد الأرضِ وظُهورِ اليابسةِ والماء، وتلوينهُ يدلُّ على كيفيَّة اخضرار الأرض وظهور الحياة فيها.

أما عملية كسر البيضة فهي تدلُّ أو ترمِزُ إلى الإنفجار العظيم للكون، وقِيَامِ الفتياتِ بجمعِ شقائقَ النُّعمانِ(وردة أبريل/نيسان )الحمراء وتعليقها فوق بابِ البيتِ مع قشر البيض المُلوَّن لزيادةِ الخُصوبةِ التي تنتجُ عنها حياةٌ جديدةٌ فهي بمثابة دعاءٍ للخالقِ كي يُبارِكَ ذلك المنزل ويُزيد عددَ أفراده ويُقوِّي خصوبتهم ويحفظهم بحبٍ وسلامٍ ووئام، ويبعدهم عن أي مكروه.

يقولُ الباحِثُ الإيزيدي سليمان دخيل أبو كاشاخ ” إن لطقوسِ تكسيرِ البيضِ المُلوَّنِ وتقشيرهِ في عيد الأربعاء الأحمر مكانةٌ خاصةٌ في أعرافهِ؛ فالبيضةُ رمزٌ عن كونٍ صغيرٍ انبثق منهُ الكونُ الأكبر، أمَّا القشورُ النَّاتِجةُ عن فعلِ التَّكسيرِ فهي قشورٌ لها دِلالتُها العميقةُ في هذا العيدِ، فهي قشورٌ ترمِزُ للقوة الإخصابية النَّاتِجةِ عن فعلِ الإخصابِ المُقدَّس.

مصادر البحث

  • خيري بوزاني مدير عام الشؤون الأيزدية لدى وزارة الأوقاف بحكومة إقليم كوردستان 
  • ما هو الأربعاء الأحمر الذي يحتفل به الإيزيديون موقع BBC
  • وكالة هاوار تقرير لكادار إبراهيم عام 2018.
  • العراق معقل الديانة الايزيدية /سكاي نيوز العربية.