الاكتفاء الذاتي | يحمي السكان من أثار الازمات الاقتصادية الدولية

الاكتفاء الذاتي

يحمي السكان من آثار الأزمات الاقتصادية الدولية 

وصلنا إلى عصر اقتصادي صعب جداً حيث تحول المجتمع إلى طبقتين غنية جداً وفقيرة جداً حيث أن الطبقة المتوسطة بدأت تتلاشى وتتحول إلى الطبقة الفقيرة وذلك نتيجة لعوامل كثيرة أهمها الكورونا والعملة الالكترونية والحروب والتغير المناخي، حيث أن كورونا اوقفت عمل آلاف الشركات والمصانع وأثراً سلباً على العمال والموظفين وأما العملات المشفرة فقد أصبحت سوقاً للأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال وهي عبارة عن سوق وهمية مخفية على الانترنت ومربحة جداً فقد أصبح الكثير من أصحاب رؤوس الأموال يستثمرون بها بدلاً من فتح مشاريع حقيقية على أرض الواقع وتشغيل الناس أو إنتاج مواد تفيد في الاستهلاك البشري وأما الحروب التي بدأت منذ عشر سنوات في الوطن العربي وحالياً شرق أوربا فهي أدت لهجرات مليونية على مستوى العالم وأدى ذلك إلى تكثيف الضغط على الاستهلاك في الدول الغربية وإلى فقدان اليد العاملة في الدول المهاجرة.

أما أهم العوامل السلبية تأثيراً على الاقتصاد لدى الطبقة الفقيرة والمتوسطة فهو التغير المناخي الذي أدى إلى ضعف كبير في الانتاج الزراعي والحيواني الذي يعتبر العمود الفقري في الاقتصادات العالمية ومن أثره الجفاف الذي يضرب آسيا والشرق الاوسط وأفريقيا منذ سنتين.

في الحقيقة أي اقتصاد قوي ورائد لدى الدول المتقدمة أساسه هو (الاكتفاء الذاتي) وهذه الجملة هي مصطلح اقتصادي شامل حيث أنها تعني توفر المواد الأولية للمصانع والمعامل لتسهيل الإنتاج والتصريف أي أن الدولة ليست بحاجة إلى استيرادها.

من الوهلة الأولى تبدو جملة بسيطة وسهلة التحقيق ولكن في الواقع، الاكتفاء الذاتي هو أفضل وأشمل نظامي اقتصادي يمكن تطبيقه لتحسين نوعية وجودة حياة سكان أي دولة.

مما يتألف الاقتصاد الفعلي؟

الأهم في الاقتصاد العالمي الفعلي ثلاثة مجالات أولها الزراعة ثانيها الصناعةوثالثها التجارة.

كل مجال من هذه المجالات يحوي الكثير من الفروع ولكن النتيجة مرتبطة ببعضها البعض والمؤكد هو أن هذه المجالات الثلاث متداخلة فيما بينها وتعتمد على بعضها البعض بشكل كبير، فعند توفر المواد الزراعية من الإنتاج المحلي سيكون من السهل على التجار وأصحاب رؤوس الأموال وحتى الدولة نفسها افتتاح معامل أغذية وألبسة وغيرها مما ساهم به الإنتاج الزراعي، وعند توفر المنتجات والبضائع من المعامل والمصانع المحلية سينجذب التجار من داخل البلاد ومن خارجها على شراء هذه المواد وتصديرها وعند تصريف هذه البضائع بسرعة سيزداد الطلب من التجار وهم بدورهم سيزيدون من طلباتهم للمعامل وهي ستزيد من طلبها للمنتج الزراعي بشكل مباشر من المزارعين، وفي النهاية سيستفيد التجار والصناعيون والمزارعون من أموال هذه التجارة.

من المسؤول عن الاكتفاء الذاتي؟

بشكل عام الاكتفاء الذاتي يبدو أمره سهل التنفيذ ولكن يتطلب شرطاً وحيداً يصعب تواجده في العالم العربي وفي دول العالم الثالث ألا وهو وجود حكومة نزيهة هدفها إعمار البلاد وخدمة السكان وتحسين وضعهم المعيشي لأن الاكتفاء الذاتي يبدأ من مشاريع حكومية في دعم أصغر القطاعات أو أكثر القطاعات فقراً وضرراً وإدارة الدعم إلى حين تحوله إلى رؤية استراتيجية وفكرة شاملة لتغيير اقتصاد الدولة.

مثلاً كل الدول العربية فيها أنهار ومجاري مائية كثيرة لا يتم استغلالها للزراعة إلا بشكل ضعيف وخاطئ فلو أن أي دولة قررت إنشاء سدود زراعية وتوزيع المياه على المزارعين سيزرع كل شخص منهم الحبوب أو الخضار التي يستطيع شرائها.

ولكن لو أن الحكومة وزعت الحبوب والبذور التي تريد هي أن تزرع بالدين على المزارعين واستحصلت منهم ثمن البذور والسماد عند حصاد الموسم ستكون بذلك قد تحكمت في نوعية المنتج الذي تود زراعته وأيضا زرعت مساحات هائلة لأن الفلاح لم يتكلف مصاريف كثيرة عند الزراعة وهذا سيشجع كل الفلاحين على الزراعة، لنفترض بأن الدولة تريد تحقيق اكتفاء ذاتي من مادتي السكر والزيت النباتي، فإن عليها توزيع بذار عباد الشمس والذرة على الفلاحين بالإضافة للسماد وأيضا توزيع مياه الأنهار والسدود بشكل عادل على الفلاحين بالإضافة لخفض أسعار الوقود للآليات الزراعية كالجرارات والحصادات.

وأثناء فترة الزراعة والنمو والحصاد يجب على الدولة تجهيز مصانع إنتاج السكر والزيت، في ضواحي المدن التي ينتج ريفها المواد الأولية لهذه المنتجات وهذا لعدة أسباب أهمها توفير فرص العمل لأبناء المدن، كذلك كون المدن مراكز تجمع للمواصلات ويسهل نقل البضائع إليها،

بهذه الطريقة تكون الحكومة قد وفرت الزيت والسكر للسكان ووفرت آلاف الفرص وفتحت مجالات صناعية وزراعية أخرى مرتبطة بإنتاج السكر والزيت النباتي مثل معامل لصناعة أكياس السكر وأيضا معامل لإنتاج علب الزيت ومعامل لتحويل مخلفات الذرة إلى علف للحيوانات ورشات للتصليح وصيانة الآلات الزراعية والمعامل إنتاج السكاكر والمعجنات التي تعتمد على السكر والذي سيكون منتجاً محلياً 100%.

عند نجاح أي مجال زراعي أو صناعي ستزداد رغبة الناس بالاستثمار والعمل فيه وهذا بدوره سيزيد من الإنتاج وبالتالي سيزيد التصدير وستقوى ميزانية الدولة، وهي تكون قد حققت فرص عمل لسكانها وعبدت طرق لنقل البضائع ووفرت مواد غذائية مهمة للشعب، هذا كان مثالاً بسيطاً وذلك بسبب فقدان هاتين المادتين بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

إذاً الاكتفاء الذاتي يحتاج إلى حكومة وطنية نزيهة وجادة في العمل فقط لا غير لأن الشعب مهما يكن مجتمعاً غير متعلم أو مثقف أو حرفي في عمله من السهل تدريبه وتعليمه في حال وفرت له ظروف ووسائل مناسبة للإنتاج، الاهم من ذلك أن نجاح أي مشروع سينعكس طرداً على زيادة ميزانية الدولة والتي تستطيع حينها فتح مشاريع أخرى في مناطق أخرى اعتماداً على توفر المواد الطبيعية الموجودة في تلك المنطقة وهكذا تستطيع تحويل كل سكانها إلى عمال ومزارعين وموظفين منتجين كل منطقة حسب مواردها.

إن كل ما سلف في حال طبق بشكل نموذجي فعال سوف يحمي السكان من آثار الحروب والمشاكل العالمية وسيوفر المواد الغذائية لهم ولن يجعل السكان في حالة حصار حقيقية حتى لو تم محاصرة دولتهم لأن الانتاج المحلي سيغنيهم عن الاستيراد من خارج الحدود المحاصرة.