زردشت – الحكيم والفيلسوف
تنسب الديانة الزرادشتية إلى “زرادشت” بن “يوشارب” بن “أسبيمان”، الذي ظهر في زمن “كشتاسف” بن “لهراسب” الملك، وأبوه من “محافظة أذربيجان”،وأمه من “الرى”. ولد عام 598 أو 599 ق م،وتوفي في 522 أو 521 ق م. في محافظة ازربيجان في روج هلات كوردستان قرب اورمية لمنطقة تسمة اليوم باسم الرضائية.
يرى بعض المؤرخين أن زرادشت مصلح ديني جاء من ميديا وأول من دان بديانته التي بشر بها هي السلالة الاخمينية والسلالة السسانية وقد لفت حياته الأسرار ولغموض وكان لأفكاره جذور عميقة في المعتقدات الشعبية الإيرانية.
والزرادشتية اهتمت ودعت الى الحفاظ على عناصر الطبيعة الأربعة : الماء والهواء والتراب والنار ، وهي مقدسة لأنها عناصر الطبيعة وتصب في مصلحة الإنسان نفسه. وقد فسر الدكتور هوك وهو من العلماء المتخصصين في دراسة كتاب افستا هذه الناحية في الديانة الزرادشتية بقوله:
أن زرادشت بعد إثبات أن وحدة الخالق وحدة لا تتجزأ قام بحل رموز هذه المسالة التي اشغلت الأفكار في كل عصر وفي كل ديانة بتقرير مبدأين متضادين وجد في بداية الخليقة، وهاتان القوتان وإن كانتا متضاربتين ومعاندتين، إلا أنهما متحدتان متقاربتان في عالم الوجود، ولذلك سميتا بالقوتين التوأمين.
الزرادشتية في القرآن الكريم
الزردشتية يسميه القران الكريم بالمجوس وهو تعريب لكلمة مكيوسا Magucia باللغة البهلوية الكوردية أو حسب لغة آفستا مكاو Magav وهو لقب رجال الدين في الديانات الآرية القديمة وقد استخدمها الزردشتيون وأصبحت اسم لطبقة رجال الدين لديهم مثل ما نقول شيخ لرجل دين في ديننا الإسلامي أو الخوري والبابا والقس والكاهن.
وقد ورد بكتاب فتح البلدان للمورخ البلاذري عن رسول صلى لله عليه وسلم في مجوس: سنوا بهم سنة أهل الكتاب وذكر مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سنوا بهم سنة أهل الكتاب.
ويقول زرادشت في احدى مزاميره زبور – نشيد ديني مخاطبا اهور ا مزدا
إياك أسأل، اي اهورا مزدا، من هو أبو الصدق؟ من أول كائن أرى الشمس والكواكب مسيرها ؟ من الذي يجعل القمر بدرا مرة، وهلالا مرة اخرى؟ من الذي أقر الارض والسماء فوقها، من خالق الماء والنبات؟ من الذي علم الرياح والسحاب الجري؟ من هو خالق النور والظلمة؟ من هو رب النوم واليقظة؟ من الذي خلق الفجر والضحى والليل؟ وحمل المؤمنين على أداء الفرائض؟ من هو خالق آله المحبة والسلام آرميثي؟ من الذي ألقى حب الأب في قلب الابن عن طريق العقل والعلم؟ أي مزدا، انا أسعى لأعرفك جيداَ بواسطة العقل المقدس، أنت الذي خلقت الكل.
و(المغان) أو (المجوس) في الأصل قبيلة ميديّة، أو طبقة خاصّة من الميديّين، وكان لهم امتياز الرئاسة الروحيّة في الدين المزديسني أو المزديّ، الذي سبق الدين الزرادشتي ، وعندما تغلّبت الزرادشتيّة، أو بالأحرى أصبحت الدين الرسمي في الدولة الساسانيّة ، في عهد الملك أردشير الأول (224-241)، أصبح (المغان) السادة الروحانيون للدين الجديد.
وقد استمر (المغان) أو (المجوس) يحسبون أنفسهم طبقة من الناس نشأت من قبيلة واحدة هي (ماكنا الميديّة)، وهذا ما حدا بالمستشرق الدانمركي (آرثر كريستنسن) إلى مقارنتهم بالسادة عند (الشيعة).
وقد وردت كلمة (مغ) في (الآفستا)، وهذه الجملة : “وما استقاها مغان از مجوس” هي جملة من جمل (الآفستا)، في الجزء الذي يطلق عليه (أليسنا).
وفيما يخصّ الفِرق المنسوبة للمجوس، فقد ذكر الشهرستاني عدّة فرق، منها :
( الكيومرتية – الزروانية – السيسانية “البهافريدية” – الثنوية – المانية – المزدكيّة – الديصانية – الكينوية “المرقيونية” – الصيامية وغيرها..)
الزرادشتية في المراجع الأوروبية
لقد عرفت أوروبا لأوّل مرّة الكتاب المقدّس للمجوس (الأوستا – الآفستا)، وذلك أن عالماً فرنسياً اسمه (دوبرون | Du Perron) كان في زيارة لعالم مستشرق آخر عام 1754م، فشاهد على منضدته صحائف مخطوطة، لفت إليها نظره، العجيب من خطّ كتبت به.
وقيل له إنها نسخة من مخطوطة مرسلة من الهند، عجز المستشرقون في أوروبا عن قراءة خطّها، الذي لم يكن لهم عهد بمثله.
وجرى قضاء الله بأن يكون ما وقعت عليه عين هذا العالم الفرنسي، فاتحة للتحوّل في حياته، فقد عقد العزم على كشف سـرّ هذه المخطوطة، وبذل كلّ طاقته في كشف ما يكتمن من مغاليق أسرارها، فسافر إلى الهند، وبلغها بعد سفر طال به ثمانية أشهر.
المصادر:
- دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج1
- فرست مرعي كاتب(Farsat Marie).
- محمد حمدي : الترجمة والنقل عن الفارسية في القرون الإسلامية الأولى ، منشورات قسم اللغة الفارسية وآدابه في الجامعة اللبنانية، بيروت، 1964م