عيد النَّيروز أو النَّوروز
نوروز: هو رأس السَّنة الكورديَّة وعيدٌ عالميٌّ أقرتهُ منظمة اليونسكو التََّابع للأمم المتَّحدة عام 2010 والتي أدرَجت عيد النوروز في القائِمة النَّموذجيَّة للتراث الثقافي غير المادي للبشرية ، كما اعترفت بيوم 21 آذار بوصفه «يوم نوروز الدولي» بعد أن وصل عدد المُحتفين به اليوم إلى ما يربو فوق ال 400 مليون إنسان من شتى بقاع العالم…كوردستان ، أفغانستان، تاجيكستان، آذربيجان، قرغيزيا، كشمير، والهند وغيرها، وكلمة نوروز تعني في الُّلغة الكورديَّة حرفيَّاً بـ “اليوم الجديد “.
لقد تعدَّدت الرِّوايات وكثُرت القصَص عن سبب الإحتفال بعيد النيروز؛ لذا كان سبباً في تعمُْق الباحثين في دراسة نشوء هذا العيد، وسبب تكونه. وهل هذا السبب خرافة خيالية لا تمتُّ للواقع بصلة؟! أم أنها حقيقة واقعية تم تحريفها بحسب كل راويٍ له ؟ أم أن الباحث حوله لم يصل بعد للسبب الحقيقي منه؟!.
يُرجِع الباحِث “جمشيد إبراهيم” سببَ الإحتفاء والإحتفال به إلى قصة “كاوا الحدَّاد” حسبما وردت في كتاب “الشاهنامه” لأبو قاسم الفردوسي، وذلك اعتماداً على التقاليد الأفستائية، حيث كان المدعو كاوا حداداً من أصفهان في وسط ايران ورجلاً بسيطاً من جماهير الشعب والذي قاد تمرُّداً ضد حاكمٍ اجنبيٍ ظالم يسمى “ضحَّاك” أو “أزدهاك” من بابل، حيث ظهر اسم الضحَّاك في كتاب الشاهنامة كملكٍ ظالمٍ متوحش و رمزاً للشرِّ والعنجهية.
وقد أورد الدكتور “مولود ابراهيم حسن” في بحثهِ “حقائق حول عيد نوروز” فيذكر فيها ستة روايات تكتنف هذه القصة وجميعها تاخذ بُعداً اسطوريَّاً ؛ حيث تمتزج الخيال فيه بالواقع.
فإحدى هذه الروايات استندت إلى أساسٍ تاريخيٍ صحيحٍ أو حقبةٍ زمنيةٍ معيَّنة؛ لكنها حاولت أن تضفي عليها تفاصيل خرافيَّة، وهي تصوِّر وتروي ما تواترته ذاكرة الشعوب جيلاً بعد جيل؛ لكن تمَّ الإضافة لها بما نسجته أخيلة الشُّعراء أو إلهام التوَّاقين للحريَّة بشيئ من الإثارة والتشويق.
فقصَّة “الضحٌْاك او أزدهَّاك “وما رافقتها من اقتران ظهور الأفاعي فوق ظهر الملك الظالم أو رأسه وأنها كانت تتغذى بأدمغة البشر ما هي إلا قصة خياليَّة بعيدة عن المنطق والعقل.
أما الرِّواية الثَّانية لسببِ الإحتفالِ بعيد النوروز والتي تقول بأن قائد مملكة ميديا الملقب ب كياجزارس أو (كياگزارس) أو كيخسرو أو فخشتر ( 625 إلى سنة 585 ق م)، وحسب هيرودوت هو يعتبر ثالث ملوك ميديا خلف الحكم من والده فراورتيس ، ويُعتبر من أفضل الملوك ألذين حكموا الإمبراطورية الميدية ، حيث تمكن من تكوين هذه الإمبراطورية بالتحالف مع البابليين الكلدانيين و إسقاط الإمبراطورية الآشورية واحتلال عاصمتها نينوى.
وقد صادف بتأريخ الحادي والعشرين من آذار أن أعلن هذا القائد “كيخسرو” القضاء نهائياً على حكم الإمبراطورية الآشورية وتحرَّر الكورد والآريين كلهم من ظلم وجور هذه المملكة التي امتدت لحقب طويلة.
لذا فإن هذه الرِّواية تنسجمُ مع حدث تأريخيٍ حقيقي ويمكن للعقل أن يتقبلها أكثر لأنها واقعية وتنسجِم مع المنطق وتسلسل الأحداث التاريخية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا من أين تم استقاء اسم كاوا؟! هل هو نفسه الملك “كي خسر” كما فسَّرهُ الدكتور “احمد خليل”؟!
وإذا كان ما توصَّل إليه الدكتور أحمد خليل في مقالهِ وبحثهِ منطقيَّاً فمن هذا الي قام بأبلسة أو شيطنة ملك وصفوه بالعظيم ووضعوا له إسماً هو “ازدهاك” وأوردوا تأريخ التخلُْص منه في السَّبب وراء الإحتفالية بعيد النوروز؟!
من الواضح وفق سياق المنطق التاريخي للأحداث ان ازدهاك هو نفسه لم يكن سوى ملكٍ آشوريٍ ظالم كشف قصته كتاب “الشهنامة” الموما اليه أعلاه للفردوسي والتي أضافت عليه وأظهرته بمظهر المتوحش.
وهناك رواية أخرى و هي أن الإحتفال بعيد نوروز بدأ منذ تأسيس مملكة ميديا 700ق.م وأنه يعود الى زمن الملك الكوردي دێئاكۆ Dêako حيث كان الآشوريين يحتلُّون بلاد ما بين النهرين أو ميزوبوتاميا أو ما تُعرَف اليوم ب”كوردستان” حيث تعرض الكورد وبقية الشعوب المنضوية تحت الحكم الميدي لظلم على يدهم مما كان سبباً لحصول صدام بين الميديين والآشوريين سنة 837 ق.م.
هذا الظلم أجبرت قبائل ميديا على توحيد أنفسهم تحت زعامة القائد دياكو بين 727 – 675 ق.م و._ 708 – 655 ق.م حيث انتقل دياكو بالقبائل الميدية من حالة الإنتماء إلى القبيلة إلى حالة الانتماء إلى الأمة ؛ إذ أفلح في إقامة تحالف إتحادي بين القبائل الميديَّة حيث أوجد ما يشبه “البرلمان” بالمصطلح الحديث يضم قادةَ جميع قبائل المملكة الميديَّة ثم اتخذ “دياكو” مدينة إكباتانا عاصمة للتكوين السِّياسي الجديد وسميت بعدئذ آمـدان/ همذان ومعنى إكباتانا هو ملتقى الطرق الكثيرة أو مجلس الاجتماع.
طقوس نوروز:
في الليلة التي تسبق عيد نوروز وقبيل ساعة الغروب يُشعل الشعب الكوردي اليوم مشاعل النار فوق قمم الجبال والتِّلال ، وهذا طقسٌ من أهم طقوس الإحتفال بعيد نوروز ؛ حيث يجتمع فتية وشباب الحي ويشعلون هذه المشاعل في قمم مرتفعة ، ويقفز الشباب فوق هذه النار، وتقام دبكات الرقص في هذه الليلة ، وفي اليوم الذي يليه أي في 21 اذار يخرج الشعب الكوردي للطبيعة ليحتفلوا مجتمعين؛ حيث تجتمع العائلات وتتصافى القلوب وتقام الدَّبكات والمسارح ويلبس الشعب الكوردي فيه لباسهُ الفولكلوري لإظهار تمسُّكهِ بقضيَّته وتأريخهِ.
كما يتم طبخ أكلات شعبية فولكلوريَّة في هذا اليوم مثل “الضولمة والمشاوي بأنواعها” وبعضاً من الحلويات التي يعرفها الناس المحتفين في يوم نوروز وخاصة عند أهالي مدينة “مندلي” ب”كوردستان العراق” حيث لديهم طبق شعبي اسمه ” الچلية” وتُعرف بالكوردي بـ( كنمه شيره) ومعناها حليب وحنطة ومن مكوناتها خمس كيلوات من الحنطة، و3 لتر حليب، وكيلوين من السمسم مع مقدار معين من السمن والملح وتنقع لمدة 3 ايام تسبق ليلة نوروز وبعدها يتم تنشيفها بأن تتعرض لأشعة الشمس ثم تقلى على النار .
نوروز في الإسلام:
لا يمكن أن نعتبر عيد نوروز عيداً محرَّماً دينياً كما يحاول البعض ان يصوِّره ؛ فعيد نوروز هو عيد قوميٌّ له طقوس معينة بعادة بعض الشعوب والقبائل والتعارف عليها بين بعضهم البعض وليس عيداً دينياً تخالف العبادة أو تتناقض مع أحكام الشرائع.
يقول الدكتور “سليم نجيب” في كتاب الأقباط عبر التاريخ الجزء الثاني أن الشعب المصري القديم احتفل بنوروس وسموه يوم الزينة المذكور في القرآن:
سيقت إلى الخلق في النيروز عافيةبها شفاهم جديد الدهر من خلقه
يباكرنا النوروز في غَلَسِ الدُّجىبنورٍ على الأغصانِ كالأنجم الزُّهرِيلوحُ كأعلامِ المطارفِ وشْيُهُمن الصُّفر فوق البيضِ والخُضرِ والحُمرِ
أتاك الرَّبيع الطَّلق يختالُ ضاحِكاًمن الحُسن حتى كاد ان يتكلَّماوقد نبَـه النوروز في غلس الدُجىأوائل ورد كـُن بالأمس نوَّما
تملیتَ فی النیروز عیش المُـنـَوِّرزو عُمـِّرت اعمار السعید المفرز
المصادر:
- كتاب عباقرة كوردستان /د.احمد خليل
- كتاب المفصل في نشأة نوروز / د.حسين قاسم العزيز
- مقال الأستاذ مهدي كاكائي
- مقال الأستاذ مير عقراوي / موقع xeber 24