سحر الفضّة سرّ الماء
مقدمة عن الكتاب
يتحدّث هذا الكتاب عن دراسة للطائفة الصابئة المندائية التي تعيش في وسط وجنوب العراق وهي إحدى من أقدم ديانات التوحيد التي تؤمن بالله الواحد ويسمى كتبهم، الحي العظيم أو الحي الأزلي، وكلمةُ الصابئة كلمةٌ آرامية تعني التعمد أي أرتمس في الماء، والمبادئ الأساسية في دينهم هي: التوحيد والتعميد والصلاة والصوم والزكاة، وأول أنبيائهم هو آدم وأخرهم هو يحيى بن زكريا.
معلومات عامة عن طائفة الصابئة:
لدى الصابئة ثلاثُ مجالس مهمة: مجلس العموم وهو بمثابة البرلمان لهم، ومجلسٌ روحاني المختص بمواضيع الدين، ومجلس شؤون الطائفة وهو يدير الأمور الحياتية للطائفة، و يقدّر تعداد هذه الطائفة بـ 30 ألف نسمة منهم في إيران وقرابة الـ 45 ألف نسمة ومنهم في العراق ويقول الكاتب: أنّه لا يوجد إحصائيات تؤكد هذه الأرقام وأنّها تبدو مبالغة فيها .
الصابئة في وجهة نظر بعض العلماء المسلمين: ذُكرت كلمة الصابئة بالقرآن الكريم في عدة مواقع مثل، سورة المائدة الآية 69، وسورة الحج الآية 17، يرى حسن البصري وابن جريح أنّ الصابئة هي ديانة بين اليهودية والزردشتية، بينما يرى الإمام مالك ابن أنس والإمام أحمد ابن حنبل والإمام أبو حنيفة وغيرهم، أنّهم طائفةٌ بين اليهود والنصارة، ويرى الإمام عبد لله ابن عباس أنّهم طائفة من النصارى.
موطن طائفة الصابئة وهجرتهم:
كان أتباع الصابئة يعيشون في القدس بادئ الأمر، بعدها هاجروا إلى حرّان وبعدها للعراق، كما أنّهم تعرضوا للاضطهاد في القدس في القرن الأول الميلادي على يد اليهود، حيث قُتل الآلاف من المندائين هناك، وقد سجلت في أحد كتبهم (كتاب حرّان كويثا ) الذي يذكر إعدام 360 رجل دينٍ، دفعةً واحدةً بسبب عقيدتهم، والمندائية كما ذكر بكتبهم أنّهم يرون أنفسهم جزءٌ من الفراعنة، خرجوا وراء قوم موسى عليه السلام، وأنّهم عاشوا في القدس وتعرضوا للظلم على يد اليهود، فهاجروا إلى الجبال وأراضي الميديين، وهذا قبل ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام بقرن من الزمن كما أنّ الدين المندائي من الأديان الغير التبشيرية.
الآعياد المندائية:
العيد الكبير: يعتبر العيد الكبير وهو رأس السنة المندائية ، وهي من ليلة 27 إلى يوم 28 تموز، حيث يلتزم كل مندائي بيته من ليلة 27 إلى مرور 36 ساعة، ولا يلمس أي شيء غير طاهر ولا يأكل إلا ما اختزنه في بيته قبل تلك الليلة بيوم.
العيد الصغير: وهو في العاشر من شهر تشرين الثاني من كل عام وبه نزل رئيس الملائكة هيبل زيوا للأرض، وقمع قوة الشر وعيد الخليقة ( بروانايا ) الله عند المندائية، وبعض مما جاء بكتاب الكنزاربا : باسم الحي العظيم مسيح ربي، بقلب نقي هو الحي العظيم البصير العليم العزيز الحكيم هو الأزلي القديم، الغريب عن أكوان النور الغني عن أكوان النور وهو القول والسمع والبصر والشفاء والظفر والقوة والثبات، هو الحي العظيم مسرة القلب وغفران الخطاية، وأيضاً يذكر : ليس له أب أو أقدم منه ولا مولود كان قبله ولا أخ يقاسمه الملكوت ولا توأم يشاركه الملك مسبح ومبارك أنت إلهي في كل وقت وإلى الأبد.
خلق الكون: يقول كتابهم، الثمرة داخل الثمرة والأثير داخل الأثير ويردنا العظيم صار من يورا العظيم من يورا العظيم المنتشر أضوائه صار يردنا الماء الحي، ولدى المندائية كائنات نورانية هي الأثيروالمكا وهم خلقوا بكلمة الله ولهم قدرة في أعمال الخلق وتيسير شؤون الكون.
استوطن المندائيون تاريخياً جنوب العراق أساساً في محافظة ميسان ونظراً لأهمية الماء في عقيدتهم الدينية فقد تركز استقرارهم حول الأنهار، خلال الفترات القريبة انتقل عدد كبير منهم إلى العاصمة العراقية بغداد التي أصبحت أكبر نقطة تركز لهم ومنذ سنة 2003 نزح بعضهم أيضاً إلى مدن إقليم الكردستان، خاصة السليمانية وهولير فضلاً عن وصول بعضهم إلى مركز الاغتراب الصابئي، الممثل بدولة السويد.
للصابئة المندائيين قصة معراج أيضاً، فهم يؤمنون أنّ النبي إدريس ( دناخوخت ) عُرج به إلى السماء السابعة، كما عرج أيضاً النبيان آدم ويحيي ، غير أنّ عروج إدريس شيئاً مختلفاً ، فهوز عاد إلى الأرض في حين لم يعد النبيان الآخران، يتجه المندائين تجاه الشمال بتجاه نجم القطبي في صلواتهم وأدعيتهم لإعتقادهم أنّ عالم النور والمكان التي ترتحل إليها روح هي في الشمال، ولهم صلاة ثلاث مرات في اليوم ويصومون 36 يوماً متفرقاً من السنة، حيث يمتنعون عن أكل اللحوم ، والصوم الكبير هو الامتناع عن شر الآخرين بالقول والفعل، والترهب والعزوف عن الزواج المحرم عندهم.
كتبهم المقدسة هي:
- الكنزاربا: أي الكتاب العظيم، وهي الصحف التي نزلت على سيدنا آدم عليه السلام فيه موضوعات كثيرة عن نظام تكوين العالم وحساب الخليقة والأدعية وقصص الدراشة.
- إديهيا: أي تعاليم يحيى عليه السلام وفيه تعاليم وحياة النبي يحيى عليه السلام.
- الفلستا: أي كتاب عقد الزواج ويتعلق بالإحتفالات والنكاح الشرعي وخطبة سدرة.
- إدنشاماثا: يدور حول التعميد والدفن والحداد وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض ومن ثم إلى عالم الأنوار.
- الديونان: فيه قصص وسير بعض الروحانيين مع صور لهم.
- إسفر ملواشه: أي سفر البروج لمعرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم الفلك والتنجيم.
- كتاب النباتي: أي الأناشيد والأذكار الدينية.
- قماها ذهيقل زيوا: ويتألف من 200 سطر، وهو عبارة عن حجاب يعتقدون بأنّ من يحمله لا يؤثر فيه السلاح أو النار.
- تفسير بغره: يختص في علم تشريح جسم الإنسان وتركيبه والأطعمة المناسبة لكلِ طقسٍ مما يجوز لأبناء الطائفة تناوله.
- كتاب ترسسر ألف شياله: أي كتاب الأثنى عشر ألف سؤال.
- ديوان طقوس التطهير: وهو كتاب يبين طرق التعميد بأنواعه على شكل ديوان.
- كداواكدفيانا: أي الكتاب المختص بالتعويزات.
جاء في بعض كتبهم، كان قرار وقف التبشير أي الدّعوة إلى اعتناق الديانة المندائية على إثر حملات الإبادة الجماعية التي تعرض لها المندائيون في القرن الأول الميلادي، قادها اليهود في أورشليم ، وورد نص في كتاب ( حرّان كويثا ) الذي أرّخ هذه الحادثة أنّه قتل فيها آلاف المندائيين، وكان بينهم 360 رجل دين وأمراة واحدة لأنّهم مندائيون، مما أدى إلى هجرتهم إلى خارج المنطقة وهذا هو النزوح الأول للمندائيين خارج وطنهم، ومنذُ سنة 67 بعد الميلاد، أوقف التبشير المندائي بقرار منهم، فإنّه يتعين على الفرد حتى يكون مندائياً أنْ يكون سليل أبوين مندائيين، ويجب عليه أنْ يتزوج مندائية، وفي حال تزوج من خارج الطّائفة يعتبر خرج عن الديانة وحكمه في حكم الميت، وفق توضيح رئيس الطائفة المندائية الشيخ ستّار جبّار حلو.
يشترط في رجل الدين عند الصابئة أنْ يكون سليم الجسم، صحيح الحواس، متزوجاً منجباً، غير مختون، وله كلمة نافذة في شؤون الطائفة كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة.
مراتب رجال الدين عن الصابئة:
الحلالي: ويسمى الشماس، يسير في الجنازات ويقيم سنن الذبح للعامة ولا يتزوج إلّا بكراً فإذا تزوج ثيباً سقطت مرتبته ومنع من وظيفته إلّا إذا تعمد هو وزوجته 360 مرة في ماء النهر الجاري.
الترميدة: إذا فقه الحلالي الكتابين المقدسين سدره إنشماثا والنياني فإنّه يتعمد بالإرتماس في الماء الموجود في المندي ويبقى بعدها سبعةُ أيام مستيقظاً لا تغمض له عين حتى لا يحتلم ويترقى بعدها هذا الحلالي إلى ترميدة وتنحصر وظيفته في العقد على البنات الأبكار.
الأبيسق : الترميدة الذي يختص في العقد على الآرامل يتحول إلى أبيسق ولا ينتقل من مرتبته هذه.
الكنزبرا : الترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات مطلقاً يمكنه أنْ ينتقل إلى كنزبرا وذلك إذا حفظ كتاب الكنزاربا فيصبح حينئذ مفسراً له ويجوز له مالا يجوز لغيره، فلو قتل واحداً من أفراد الطائفة لا يقتص منه لأنّه وكيل الرئيس الإلهي عليها.
الريش أمه: أي رئيس الأمة وصاحب الكلمة النافذة فيها ولا يوجد بين صابئة اليوم من بلغ هذه الدرجة لأنّها تحتاج إلى علم وفير وقدرة فائقة.
الرباني: وفق هذه الديانة لم يصل إلى هذه الدرجة إلّا يحيي بن زكريا عليه السلام كما أنّه لا يجوز أنْ يوجد شخصان من هذه الدرجة في وقت واحدٍ، والرباني يرتفع ليسكن في عالم الأنوار وينزل ليبلغ طائفته تعاليم الدين ثم يرتفع مرة أخرى إلى عالمه الرباني النوراني .
المندي وهو معبد الصابئة وفيه كتبهم المقدسة ويجري فيه تعميد رجال الدين ، يقام على الضفاف اليمنى من الأنهر الجارية، له باب واحد يقابل الجنوب، بحيث يستقبل الداخل إليه نجم القطب الشمالي ولابد من وجود قناة فيه متصلة بماء النهر ولا يجوز دخوله من قبل النساء.
التعميد لدى الصابئة تتم التعميد على أيدي رجال الدين ( التعميد هو التغسل في مياه الأنهار الجارية مع قراءة الأدعية الخاصة)، وللتعميد أشكالٌ كثيرة عندهم:
الولادة: يعمد المولود بعد 45 يوماً ليصبح طاهراً من دنس الولادة، حيث يدخل هذا الوليد في الماء الجاري إلى ركبتيه مع إتجاه جهة نجم القطب ويوضع في يده خاتم أخضر.
تعميد الزواج: يتم في يوم الأحد وبحضور ترميدة وكنزبرا يتم بثلاث دفعات في الماء، مع القراءة من كتاب الفلستا وبلباس خاص، ثم يشربان من قنينة ملئت بماء أُخذ من النهر يسمى ممبوهة، ثم يطعمان البهثة ويدهن جبينهما بدهن السمسم بعد ذلك لا يلمسان لمدة سبعة أيام حيث يكونان نجسين وبعد الأيام السبعة من الزواج يعمدان من جديد وتعمد معهما كافة القدور والأواني التي أكلا فيها أو شربا منها .
تعميد الجماعة: يكون في كل عيد بنجة من كل سنة لمدة خمسة أيام، ويشمل أبناء الطائفة كافة، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً. وذلك بالإرتماس في الماء الجاري ثلاث دفعات قبل تناول الطعام في كل يوم من الأيام الخمسة والمقصود منه، هو التكفير عن الخطايا والذنوب المرتكبة في السنة الماضية، كما يجوز التعميد في أيام البنجة ليلاً ونهاراً على حين أنّ التعميد في سائر المواسم لا يجوز إلّا نهاراً وفي أيام الآحاد فقط.
العيد الكبير: عيد ملك الأنوار حيث يعتكفون في بيوتهم 36 ساعة متتالية لا تغمض لهم عين، وبعد الاعتكاف مباشرةً يرتسمون، ومدة العيد أربعة أيام تنحر فيه الخراف ويذبح فيه الدجاج ولا يقومون خلاله بأي عمل دنيوي .
العيد الصغير: يوم واحد شرعاً، وقد يمتد لثلاثةِ أيامٍ ، من أجل التزاور ويكون بعد العيد الكبير بمائة وثمانية عشر يوماً .
عيد البنجة: وهو خمسة أيام بالسنة ويأتي بعد العيد الصغير بأربعة أشهر( حيث سنة المندائية هي 360 يوم وأيام الخمس الباقية من السنة تكون عيد البنجة ).
عيد يحيى: يوم واحد من أقدس الأيام ، يأتي بعد عيد البنجة بستين يوماً وفيه كانت ولادة النبي يحيى عليه السلام الذي يعتبرونه نبيهم الخاص ، والذي جاء ليعيد إلى دين آدم صفاءه بعد أن دخله الإنحراف بسبب تقادم الزمان .
- تقوم والدة الكنزبرا أو زوجته بفحص كل فتاة عذراء بعد تعميدها وقبل تسليمها لعريسها وذلك بغية التأكد من سلامة بكارتها.
- لا يعترف الصابئة بالطلاق إلّا إذا كانت هناك انحرافات أخلاقية خطيرة فيتم التفريق عن طريق الكنزبرا.
- ليس للرجل غير المتزوج من جنة لا في الدنيا ولا في الآخرى .
- لكل مناسبة دينية ألبسة خاصة بها ولكل مرتبة دينية لباس خاص بها يميزها عن غيرها.
- إذا توفي شخص دون أن ينجب أولادً فإنّه يمر بالمطهر ليعود بعد إقامته في العالم الآخر إلى عالم الأنوار، ثم يعود إلى حالته البدنية مرة أخرى، حيث تتلبس روحه في جسم روحاني فيتزوج وينجب أطفالاً (أي أنّهم يؤمنون بتناسخ ) .
- للرجل أنْ يتزوج ما يشاء من النساء على قدر ما تسمح له به ظروفه.
- لا تؤكل الذبيحة إلّا أنْ تذبح بيدي رجال الدين وبحضور الشهود ويقوم الذابح بعد أنْ يتوضأ ، بغمسها في الماء الجاري ثلاث مرات ثم يقرأ عليها أذكاراً دينية خاصة ،ثم يذبحها مستقبلاً الشمال ويستنزف دمها حتى آخر قطرة ويحرم الذبح بعد غروب الشمس أو قبل شروقها إلّا في عيد البنجة.